يقول تعالى ذكره : أولم ينظر هؤلاء الذي كفروا بالله بأبصار قلوبهم فيروا بها ، ويعلموا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ، يقول : ليس فيهما ثقب ، بل كانتا ملتصقتين ، يقال منه : رتق فلان الفتق ، إذا شده ، فهو يرتقه رتقا ورتوقا ، ومن ذلك قيل للمرأة التي فرجها ملتحم : رتقاء ، ووحد الرتق ، وهو من صفة السماء والأرض ، وقد جاء بعد قوله ( كانتا ) لأنه مصدر ، مثل قول الزور والصوم والفطر . تأويل قوله تعالى : (
وقوله ( ففتقناهما ) يقول : فصدعناهما وفرجناهما .
ثم اختلف أهل التأويل في معنى [ ص: 431 ] وكيف كان الرتق ، وبأي معنى فتق ؟ فقال بعضهم : عنى بذلك أن السماوات والأرض كانتا ملتصقتين ، ففصل الله بينهما بالهواء . وصف الله السماوات والأرض بالرتق
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله ( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ) يقول : كانتا ملتصقتين .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ) . . . الآية ، يقول : كانتا ملتصقتين ، فرفع السماء ووضع الأرض .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ) كان ابن عباس يقول : كانتا ملتزقتين ، ففتقهما الله .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة ( أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ) قال : كان الحسن وقتادة يقولان : كانتا جميعا ، ففصل الله بينهما بهذا الهواء .
وقال آخرون : بل معنى ذلك أن السماوات كانت مرتتقة طبقة ففتقها الله فجعلها سبع سماوات وكذلك الأرض كانت كذلك مرتتقة ، ففتقها ، فجعلها سبع أرضين
ذكر من قال : ذلك : حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله تبارك وتعالى ( رتقا ففتقناهما ) من الأرض ست أرضين معها فتلك سبع أرضين معها ، ومن السماء ست سماوات معها ، فتلك سبع سماوات معها ، قال : ولم تكن الأرض والسماء متماستين .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ( رتقا ففتقناهما ) قال : فتقهن سبع سماوات ، بعضهن فوق بعض ، وسبع أرضين بعضهن تحت بعض . [ ص: 432 ] حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن عن ابن جريج مجاهد نحو حديث محمد بن عمرو عن أبي عاصم .
حدثنا عبد الحميد بن بيان قال : أخبرنا محمد بن يزيد عن إسماعيل قال : سألت أبا صالح عن قوله ( كانتا رتقا ففتقناهما ) قال : كانت الأرض رتقا والسماوات رتقا ، ففتق من السماء سبع سماوات ، ومن الأرض سبع أرضين .
حدثنا موسى قال : ثنا عمرو قال : ثنا أسباط عن قال : كانت سماء واحدة ثم فتقها ، فجعلها سبع سماوات في يومين ، في الخميس والجمعة ، وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السماوات والأرض ، فذلك حين يقول ( السدي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ) يقول ( كانتا رتقا ففتقناهما ) .
وقال آخرون : بل عنى بذلك أن السماوات كانت رتقا لا تمطر ، والأرض كذلك رتقا لا تنبت ، ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا هناد قال : ثنا أبو الأحوص عن سماك عن عكرمة ( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ) قال : كانتا رتقا لا يخرج منهما شيء ، ففتق السماء بالمطر وفتق الأرض بالنبات . قال : وهو قوله ( والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع ) .
حدثني الحسين بن علي الصدائي قال : ثنا أبي ، عن الفضيل بن مرزوق عن عطية في قوله ( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ) قال : كانت السماء رتقا لا تمطر ، والأرض رتقا لا تنبت ، ففتق السماء بالمطر ، وفتق الأرض بالنبات ، وجعل من الماء كل شيء حي ، أفلا يؤمنون ؟
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ) قال : كانت السماوات رتقا لا ينزل منها مطر ، وكانت الأرض رتقا لا يخرج منها نبات ، ففتقهما الله ، فأنزل مطر السماء ، وشق الأرض فأخرج نباتها ، وقرأ ( ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ) .
وقال آخرون : إنما قيل ( ففتقناهما ) لأن الليل كان قبل النهار ، ففتق النهار .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 433 ] حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري عن أبيه ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : خلق الليل قبل النهار ، ثم قال : كانتا رتقا ففتقناهما .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا من المطر والنبات ، ففتقنا السماء بالغيث والأرض بالنبات .
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب في ذلك لدلالة قوله : ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) على ذلك ، وأنه جل ثناؤه لم يعقب ذلك بوصف الماء بهذه الصفة إلا والذي تقدمه من ذكر أسبابه .
فإن قال قائل : فإن كان ذلك كذلك ، فكيف قيل : أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ، والغيث إنما ينزل من السماء الدنيا ؟ قيل : إن ذلك مختلف فيه ، قد قال قوم : إنما ينزل من السماء السابعة ، وقال آخرون : من السماء الرابعة ، ولو كان ذلك أيضا كما ذكرت من أنه ينزل من السماء الدنيا ، لم يكن في قوله ( أن السماوات والأرض ) دليل على خلاف ما قلنا ، لأنه لا يمتنع أن يقال السماوات ، والمراد منها واحدة فتجمع ، لأن كل قطعة منها سماء ، كما يقال : ثوب أخلاق ، وقميص أسمال .
فإن قال قائل : وكيف قيل إن السماوات والأرض كانتا ، فالسماوات جمع ، وحكم جمع الإناث أن يقال في قليله كن ، وفي كثيره كانت ؟ قيل : إنما قيل ذلك كذلك لأنهما صنفان ، فالسماوات نوع ، والأرض آخر ، وذلك نظير قول الأسود بن يعفر :
إن المنية والحتوف كلاهما توفي المخارم يرقبان سوادي
فقال كلاهما ، وقد ذكر المنية والحتوف لما وصفت من أنه عنى النوعين ، وقد [ ص: 434 ] أخبرت عن قال : أنشدني أبي عبيدة معمر بن المثنى غالب النفيلي للقطامي :
ألم يحزنك أن حبال قيس وتغلب قد تباينتا انقطاعا
فجعل حبال قيس وهي جمع ، وحبال تغلب وهي جمع اثنين .
وقوله ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) يقول تعالى ذكره : وأحيينا بالماء الذي ننزله من السماء كل شيء .
كما حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) قال : . كل شيء حي خلق من الماء
فإن قال قائل : وكيف خص كل شيء حي بأنه جعل من الماء دون سائر الأشياء غيره ، فقد علمت أنه يحيا بالماء الزروع والنبات والأشجار ، وغير ذلك مما لا حياة له ، ولا يقال له حي ولا ميت ؟ قيل : لأنه لا شيء من ذلك إلا وله حياة وموت ، وإن خالف معناه في ذلك معنى ذوات الأرواح في أنه لا أرواح فيهن وأن في ذوات الأرواح أرواحا ، فلذلك قيل ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) .
وقوله ( أفلا يؤمنون ) يقول : أفلا يصدقون بذلك ، ويقرون بألوهية من فعل ذلك ويفردونه بالعبادة .