يقول تعالى ذكره : وعلمنا داود صنعة لبوس لكم ، واللبوس عند العرب : السلاح كله ، درعا كان أو جوشنا أو سيفا أو رمحا ، يدل على ذلك قول الهذلي :
ومعي لبوس للبيس كأنه روق بجبهة ذي نعاج مجفل
وإنما يصف بذلك رمحا ، وأما في هذا الموضع فإن أهل التأويل قالوا : عنى الدروع .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله ( وعلمناه صنعة لبوس لكم ) . . . الآية ، قال : كانت قبل داود صفائح ، قال : وكان أول من صنع هذا الحلق وسرد داود .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة ( وعلمناه صنعة لبوس لكم ) قال : كانت صفائح ، فأول من سردها وحلقها داود عليه السلام .
واختلفت القراء في قراءة قوله ( لتحصنكم ) فقرأ ذلك أكثر قراء الأمصار ( ليحصنكم ) بالياء ، بمعنى : ليحصنكم اللبوس من بأسكم ، ذكروه لتذكير اللبوس ، وقرأ ذلك أبو جعفر يزيد بن القعقاع ( لتحصنكم ) بالتاء ، بمعنى : لتحصنكم الصنعة ، فأنث لتأنيث الصنعة ، وقرأ شيبة بن نصاح ( لنحصنكم ) بالنون ، بمعنى : لنحصنكم نحن من بأسكم . وعاصم بن أبي النجود
قال أبو جعفر : وأولى القراءات في ذلك بالصواب عندي قراءة من قرأه [ ص: 481 ] بالياء ، لأنها القراءة التي عليها الحجة من قراء الأمصار ، وإن كانت القراءات الثلاث التي ذكرناها متقاربات المعاني ، وذلك أن الصنعة هي اللبوس ، واللبوس هي الصنعة ، والله هو المحصن به من البأس ، وهو المحصن بتصيير الله إياه كذلك ، ومعنى قوله : ( ليحصنكم ) ليحرزكم ، وهو من قوله : قد أحصن فلان جاريته ، وقد بينا معنى ذلك بشواهده فيما مضى قبل ، والبأس : القتال ، وعلمنا داود صنعة سلاح لكم ليحرزكم إذا لبستموه ، ولقيتم فيه أعداءكم من القتل .
وقوله ( فهل أنتم شاكرون ) يقول : فهل أنتم أيها الناس شاكرو الله على نعمته عليكم بما علمكم من صنعة اللبوس المحصن في الحرب وغير ذلك من نعمه عليكم ، يقول : فاشكروني على ذلك .