القول في تأويل قوله تعالى : ( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب    ( 73 ) ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز   ( 74 )  [ ص: 685 ] يقول تعالى ذكره : يا أيها الناس جعل لله مثل وذكر . ومعنى ضرب في هذا الموضع : جعل من قولهم : ضرب السلطان على الناس البعث ، بمعنى : جعل عليهم . وضرب الجزية على النصارى  ، بمعنى جعل ذلك عليهم; والمثل : الشبه ، يقول جل ثناؤه : جعل لي شبه أيها الناس ، يعني بالشبه ، والمثل : الآلهة ، يقول : جعل لي المشركون الأصنام شبها ، فعبدوها معي ، وأشركوها في عبادتي . فاستمعوا له : يقول : فاستمعوا حال ما مثلوه وجعلوه لي في عبادتهم إياه شبها ، وصفته ( إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا   ) يقول : إن جميع ما تعبدون من دون الله من الآلهة والأصنام لو جمعت لم يخلقوا ذبابا في صغره وقلته ، لأنها لا تقدر على ذلك ولا تطيقه ، ولو اجتمع لخلقه جميعها . والذباب واحد ، وجمعه في القلة أذبة وفي الكثير ذبان ، غراب يجمع في القلة أغربة ، وفي الكثرة غربان . 
وقوله : ( وإن يسلبهم الذباب شيئا   ) يقول : وإن يسلب الآلهة والأوثان الذباب شيئا مما عليها من طيب وما أشبهه من شيء لا يستنقذوه منه : يقول : لا تقدر الآلهة أن تستنقذ ذلك منه . 
واختلف في معنى قوله : ( ضعف الطالب والمطلوب   ) فقال بعضهم : عنى بالطالب الآلهة ، وبالمطلوب الذباب . 
ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم  ، قال : ثنا الحسين  ، قال : حجاج  ، عن  ابن جريج  ، قال ابن عباس  ، في قوله : ( ضعف الطالب   ) قال : آلهتهم ( والمطلوب ) : الذباب . 
وكان بعضهم يقول : معنى ذلك : ( ضعف الطالب   ) من بني آدم إلى الصنم حاجته ، ( والمطلوب ) إليه الصنم أن يعطي سائله من بني آدم ما سأله ، يقول : ضعف عن ذلك وعجز . 
والصواب من القول في ذلك عندنا ما ذكرته عن ابن عباس  من أن معناه :  [ ص: 686 ] وعجز الطالب وهو الآلهة أن تستنقذ من الذباب ما سلبها إياه ، وهو الطيب وما أشبهه; والمطلوب : الذباب . 
وإنما قلت هذا القول أولى بتأويل ذلك ، لأن ذلك في سياق الخبر عن الآلهة والذباب ، فأن يكون ذلك خبرا عما هو به متصل أشبه من أن يكون خبرا عما هو عنه منقطع ، وإنما أخبر جل ثناؤه عن الآلهة بما أخبر به عنها في هذه الآية من ضعفها ومهانتها ، تقريعا منه بذلك عبدتها من مشركي قريش ، يقول تعالى ذكره : كيف يجعل مثلا في العبادة ويشرك فيها معي ما لا قدرة له على خلق ذباب ، وإن أخذ له الذباب فسلبه شيئا عليه لم يقدر أن يمتنع منه ولا ينتصر ، وأنا الخالق ما في السماوات والأرض ومالك جميع ذلك والمحيي من أردت ، والمميت ما أردت ومن أردت ، إن فاعل ذلك لا شك أنه في غاية الجهل . 
وقوله ( ما قدروا الله حق قدره   ) يقول : ما عظم هؤلاء الذين جعلوا الآلهة لله شريكا في العبادة حق عظمته حين أشركوا به غيره ، فلم يخلصوا له العبادة ولا عرفوه حق معرفته من قولهم : ما عرفت لفلان قدره إذا خاطبوا بذلك من قصر بحقه ، وهم يريدون تعظيمه . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  ، قال : قال ابن زيد  في قوله ( وإن يسلبهم الذباب شيئا   ) . . . إلى آخر الآية ، قال : هذا مثل ضربه الله لآلهتهم ، وقرأ ( ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره   ) حين يعبدون مع الله ما لا ينتصف من الذباب ولا يمتنع منه . 
وقوله ( إن الله لقوي   ) يقول : إن الله لقوي على خلق ما يشاء من صغير ما يشاء من خلقه وكبيره  ، عزيز : يقول : منيع في ملكه لا يقدر شيء دونه أن يسلبه من ملكه شيئا ، وليس كآلهتكم أيها المشركون الذين تدعون من دونه الذين لا يقدرون على خلق ذباب ، ولا على الامتناع من الذباب ، إذا استلبها شيئا ضعفا ومهانة . 
 [ ص: 687 ] 
				
						
						
