يقول تعالى ذكره : وأنشأنا لكم أيضا شجرة تخرج من طور سيناء وشجرة منصوبة عطفا على الجنات ويعني بها شجرة الزيتون .
وقوله : ( تخرج من طور سيناء ) يقول : تخرج من جبل ينبت الأشجار .
وقد بينت معنى الطور فيما مضى بشواهده ، واختلاف المختلفين بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وأما قوله : ( سيناء ) فإن القراء اختلفت في قراءته ، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة : ( سيناء ) بكسر السين . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة : ( سيناء ) بفتح السين ، وهما جميعا مجمعون على مدها .
والصواب من القول في ذلك ، أنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار ، بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
واختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : المبارك ، كأن معنى الكلام عنده : وشجرة تخرج من جبل مبارك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( طور سيناء ) قال : المبارك .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله .
[ ص: 22 ] حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وشجرة تخرج من طور سيناء ) قال : هو جبل بالشام مبارك .
وقال آخرون : معناه : حسن .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( طور سيناء ) قال : هو جبل حسن .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( من طور سيناء ) الطور : الجبل بالنبطية ، وسيناء ، حسنة بالنبطية .
وقال آخرون : هو اسم جبل معروف .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، ابن عباس ، في قوله : ( من طور سيناء ) قال : موسى صلى الله عليه وسلم . الجبل الذي نودي منه
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( طور سيناء ) قال : هو جبل الطور الذي بالشام ، جبل ببيت المقدس ، قال : ممدود ، هو بين مصر وبين أيلة .
وقال آخرون : معناه : أنه جبل ذو شجر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عمن قاله .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن سيناء اسم أضيف إليه الطور يعرف به ، كما قيل : جبلا طيئ ، فأضيفا إلى طيئ ، ولو كان القول في ذلك كما قال من قال : معناه : جبل مبارك ، أو كما قال من قال : معناه حسن ، لكان الطور منونا ، وكان قوله سيناء من نعته ، على أن سيناء بمعنى : مبارك وحسن ، غير معروف في كلام العرب ، فيجعل ذلك من نعت الجبل ، ولكن القول في ذلك إن شاء الله كما قال ابن عباس ، من أنه جبل عرف بذلك ، وأنه الجبل الذي نودي منه موسى صلى الله عليه وسلم ، وهو مع ذلك مبارك ، لا أن معنى سيناء : معنى مبارك .
[ ص: 23 ] وقوله : ( تنبت بالدهن ) اختلفت القراء في قراءة قوله : ( تنبت ) فقرأته عامة قراء الأمصار : ( تنبت ) بفتح التاء ، بمعنى : تنبت هذه الشجرة بثمر الدهن ، وقرأه بعض قراء البصرة : ( تنبت ) بضم التاء ، بمعنى تنبت الدهن ، تخرجه . وذكر أنها في قراءة عبد الله : ( تخرج الدهن ) وقالوا : الباء في هذا الموضع زائدة كما قيل : أخذت ثوبه ، وأخذت بثوبه ، وكما قال الراجز :
نحن بنو جعدة أرباب الفلج نضرب بالبيض ونرجو بالفرج
بمعنى : ونرجو الفرج . والقول عندي في ذلك أنهما لغتان : نبت ، وأنبت ; ومن أنبت قول زهير :
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل
ويروى : نبت ، وهو كقوله : ( فأسر بأهلك ) و " فاسر " ، غير أن ذلك وإن كان [ ص: 24 ] كذلك ، فإن القراءة التي لا أختار غيرها في ذلك قراءة من قرأ : ( تنبت ) بفتح التاء ; لإجماع الحجة من القراء عليها . ومعنى ذلك : تنبت هذه الشجرة بثمر الدهن .
كما حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( تنبت بالدهن ) قال : بثمره .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله .
والدهن الذي هو من ثمره الزيت ، كما حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( تنبت بالدهن ) يقول : هو الزيت يوكل ، ويدهن به .
وقوله : ( وصبغ للآكلين ) يقول : تنبت بالدهن وبصبغ للآكلين ، يصطبغ بالزيت الذين يأكلونه .
كما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله ( وصبغ للآكلين ) قال : هذا الزيتون صبغ للآكلين ، يأتدمون به ، ويصطبغون به .
قال أبو جعفر : فالصبغ عطف على الدهن .