القول في تأويل فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون ( 53 ) ) قوله تعالى : (
اختلفت القراء في قراءة قوله : ( زبرا ) فقرأته عامة قراء المدينة والعراق : ( زبرا ) بمعنى جمع الزبور . فتأويل الكلام على قراءة هؤلاء : فتفرق القوم الذين أمرهم الله من أمة الرسول عيسى بالاجتماع على الدين الواحد والملة الواحدة ، دينهم الذي أمرهم الله بلزومه ( زبرا ) كتبا ، فدان كل فريق منهم بكتاب غير الكتاب الذي دان به الفريق الآخر ، كاليهود الذين زعموا أنهم دانوا بحكم التوراة ، وكذبوا بحكم الإنجيل والقرآن ، وكالنصارى الذين دانوا بالإنجيل بزعمهم ، وكذبوا بحكم الفرقان .
[ ص: 42 ] ذكر من تأول ذلك كذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( زبرا ) قال : كتبا .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( بينهم زبرا ) قال : كتب الله فرقوها قطعا .
- حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد : ( فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا ) قال مجاهد : كتبهم فرقوها قطعا .
وقال آخرون من أهل هذه القراءة : إنما معنى الكلام : فتفرقوا دينهم بينهم كتبا أحدثوها يحتجون فيها لمذهبهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون ) قال : هذا ما اختلفوا فيه من الأديان والكتب ، كل معجبون برأيهم ، ليس أهل هواء إلا وهم معجبون برأيهم وهواهم وصاحبهم الذي اخترق ذلك لهم . وقرأ ذلك عامة قراء الشام ( فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا ) بضم الزاي وفتح الباء ، بمعنى : فتفرقوا أمرهم بينهم قطعا كزبر الحديد ، وذلك القطع منها واحدتها زبرة ، من قول الله : ( آتوني زبر الحديد ) فصار بعضهم يهود ، وبعضهم نصارى .
والقراءة التي نختار في ذلك قراءة من قرأه بضم الزاي والباء ; لإجماع أهل التأويل في تأويل ذلك على أنه مراد به الكتب ، فذلك يبين عن صحة ما اخترنا في ذلك ; لأن الزبر هي الكتب ، يقال منه : زبرت الكتاب : إذ كتبته .
فتأويل الكلام : فتفرق الذين أمرهم الله بلزوم دينه من الأمم دينهم بينهم كتبا كما بينا قبل .
وقوله : ( كل حزب بما لديهم فرحون ) يقول : كل فريق من تلك الأمم ، بما اختاروه لأنفسهم من الدين والكتب ، فرحون معجبون به ، لا يرون أن الحق سواه .
كما حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني [ ص: 43 ] الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( كل حزب بما لديهم فرحون ) : قطعة وهؤلاء هم أهل الكتاب .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد : ( كل حزب ) قطعة أهل الكتاب .