القول في حسدا من عند أنفسهم ) تأويل قوله تعالى : (
قال أبو جعفر : ويعني جل ثناؤه بقوله : ( حسدا من عند أنفسهم ) ، أن كثيرا من أهل الكتاب يودون للمؤمنين ما أخبر الله - جل ثناؤه - عنهم أنهم يودونه لهم ، من الردة عن إيمانهم إلى الكفر ، حسدا منهم وبغيا عليهم .
و"الحسد" إذا منصوب على غير النعت للكفار ، ولكن على وجه المصدر الذي يأتي خارجا من معنى الكلام الذي يخالف لفظه لفظ المصدر ، كقول القائل لغيره : "تمنيت لك ما تمنيت من السوء حسدا مني لك" ، فيكون "الحسد" مصدرا [ ص: 501 ] من معنى قوله : "تمنيت من السوء"؛ لأن في قوله تمنيت لك ذلك ، معنى : حسدتك على ذلك . فعلى هذا نصب "الحسد"؛ لأن في قوله : ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا ) ، معنى : حسدكم أهل الكتاب على ما أعطاكم الله من التوفيق ، ووهب لكم من الرشاد لدينه والإيمان برسوله ، وخصكم به من أن جعل رسوله إليكم رجلا منكم رءوفا بكم رحيما ، ولم يجعله منهم ، فتكونوا لهم تبعا؛ فكان قوله : ( حسدا ) ، مصدرا من ذلك المعنى .
وأما قوله : ( من عند أنفسهم ) ، فإنه يعني بذلك : من قبل أنفسهم ، كما يقول القائل : "لي عندك كذا وكذا" ، بمعنى : لي قبلك ، وكما :
1789 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، قوله : ( من عند أنفسهم ) ، قال : من قبل أنفسهم .
وإنما أخبر الله - جل ثناؤه - عنهم المؤمنين أنهم ودوا ذلك للمؤمنين ، من عند أنفسهم ، إعلاما منه لهم بأنهم لم يؤمروا بذلك في كتابهم ، وأنهم يأتون ما يأتون من ذلك على علم منهم بنهي الله إياهم عنه .