يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( ألم تر ) يا محمد ( أن الله يزجي ) يعني : يسوق ( سحابا ) حيث يريد ( ثم يؤلف بينه ) يقول : ثم يؤلف بين السحاب ، وأضاف بين إلى السحاب ، ولم يذكر مع غيره ، وبين لا تكون مضافة إلا إلى جماعة أو اثنين ; لأن السحاب في معنى جمع ، واحده سحابة ، كما يجمع النخلة : نخل ، والتمرة تمر ، فهو نظير قول قائل : جلس فلان بين النخل ، وتأليف الله السحاب : جمعه بين متفرقها .
وقوله : ( ثم يجعله ركاما ) يقول : ثم يجعل السحاب الذي يزجيه ، ويؤلف بعضه إلى بعض ركاما ، يعني : متراكما بعضه على بعض .
وقد حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا خالد ، قال : ثنا مطر ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن قال : الرياح أربع : يبعث الله الريح الأولى فتقم الأرض قما ، ثم يبعث الثانية فتنشئ سحابا ، ثم يبعث الثالثة فتؤلف بينه فتجعله ركاما ، ثم يبعث الرابعة فتمطره . عبيد بن عمير الليثي ،
وقوله : ( فترى الودق يخرج من خلاله ) يقول : فترى المطر يخرج من بين السحاب ، وهو الودق ، قال : الشاعر :
فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها
والهاء في قوله : ( من خلاله ) من ذكر السحاب ، والخلال : جمع خلل . وذكر عن ابن عباس وجماعة أنهم كانوا يقرءون ذلك : " من خلله " .
[ ص: 202 ] حدثنا قال : ثنا ابن المثنى ، حرمي بن عمارة ، قال : ثنا شعبة ، قال : ثنا قتادة ، عن الضحاك بن مزاحم أنه قرأ هذا الحرف : ( فترى الودق يخرج من خلاله ) : " من خلله " .
قال : ثنا شعبة ، قال : أخبرني عمارة ، عن رجل ، عن ابن عباس أنه قرأ هذا الحرف : ( فترى الودق يخرج من خلاله ) : " من خلله " .
حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، قال : أخبرني عمارة بن أبي حفصة ، عن رجل ، عن ابن عباس ، أنه قرأها : " من خلله " بفتح الخاء ، من غير ألف .
قال هارون : فذكرت ذلك لأبي عمرو ، فقال : إنها لحسنة ، ولكن خلاله أعم .
وأما قراء الأمصار ، فإنهم على القراءة الأخرى من خلاله ، وهي التي نختار لإجماع الحجة من القراء عليها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فترى الودق يخرج من خلاله ) قال : الودق : القطر ، والخلال : السحاب .
وقوله : ( وينزل من السماء من جبال فيها من برد ) : قيل في ذلك قولان : أحدهما : أن معناه أن الله ينزل من السماء من جبال في السماء من برد مخلوقة هنالك خلقة ، كأن الجبال على هذا القول هي من برد ، كما يقال : جبال من طين . والقول الآخر : أن الله ينزل من السماء قدر جبال ، وأمثال جبال من برد إلى الأرض ، كما يقال : عندي بيتان تبنا ، والمعنى قدر بيتين من التبن ، والبيتان ليسا من التبن .
وقوله : ( فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء ) يقول : فيعذب بذلك الذي ينزل من السماء من جبال فيها من برد ، من يشاء فيهلكه ، أو يهلك به زروعه وماله ( ويصرفه عن من يشاء ) من خلقه ، يعني : عن زروعهم وأموالهم .
وقوله : ( يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ) يقول : يكاد شدة ضوء برق هذا السحاب يذهب بأبصار من لاقى بصره ، والسنا مقصور ، وهو ضوء البرق .
كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، ابن عباس قوله : ( يكاد سنا برقه ) قال : ضوء برقه .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( يكاد سنا برقه ) يقول : لمعان البرق يذهب بالأبصار .
[ ص: 203 ] حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ) قال : سناه ضوء يذهب بالأبصار .
وقرأت قراء الأمصار ( يكاد سنا برقه يذهب ) بفتح الياء من يذهب سوى أبي جعفر القارئ ، فإنه قرأه بضم الياء " يذهب بالأبصار " .
والقراءة التي لا أختار غيرها هي فتحها ; لإجماع الحجة من القراء عليها ، وأن العرب إذا أدخلت الباء في مفعول ذهبت ، لم يقولوا : إلا ذهبت به ، دون أذهبت به ، وإذا أدخلوا الألف في أذهبت لم يكادوا أن يدخلوا الباء في مفعوله ، فيقولون : أذهبته وذهبت به .
وقوله : ( يقلب الله الليل والنهار ) يقول : ، إذا أذهب هذا جاء هذا ، وإذا أذهب هذا جاء هذا ( يعقب الله بين الليل والنهار ويصرفهما إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ) يقول : إن في إنشاء الله السحاب ، وإنزاله منه الودق ، ومن السماء البرد ، وفي تقليبه الليل والنهار لعبرة لمن اعتبر به ، وعظة لمن اتعظ به . ممن له فهم وعقل ; لأن ذلك ينبئ ويدل على أن له مدبرا ومصرفا ومقلبا لا يشبهه شيء .