قال أبو جعفر : قد دللنا فيما مضى على معنى : "إقامة الصلاة" ، وأنها أداؤها بحدودها وفروضها ، وعلى تأويل "الصلاة" وما أصلها ، وعلى معنى "إيتاء الزكاة" ، وأنه إعطاؤها بطيب نفس على ما فرضت ووجبت ، وعلى معنى "الزكاة" واختلاف المختلفين فيها ، والشواهد الدالة على صحة القول الذي اخترنا في ذلك ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وأما قوله : ( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ) ، فإنه - يعني جل ثناؤه - بذلك : ومهما تعملوا من عمل صالح في أيام حياتكم ، فتقدموه قبل وفاتكم ذخرا لأنفسكم في معادكم ، تجدوا ثوابه عند ربكم يوم القيامة ، فيجازيكم به .
و"الخير" هو العمل الذي يرضاه الله . وإنما قال : ( تجدوه ) ، والمعنى : تجدوا ثوابه ، كما : -
1801 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : ( تجدوه ) يعني : تجدوا ثوابه عند الله .
قال أبو جعفر : لاستغناء سامعي ذلك بدليل ظاهر على معنى المراد منه ، كما قال عمر بن لجأ :
وسبحت المدينة لا تلمها رأت قمرا بسوقهم نهارا
وإنما أراد : وسبح أهل المدينة . [ ص: 506 ]
وإنما أمرهم - جل ثناؤه - في هذا الموضع بما أمرهم به ، من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتقديم الخيرات لأنفسهم ، ليطهروا بذلك من الخطأ الذي سلف منهم في استنصاحهم اليهود ، وركون من كان ركن منهم إليهم ، وجفاء من كان جفا منهم في خطابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( راعنا ) ، إذ كانت إقامة الصلوات كفارة للذنوب ، وإيتاء الزكاة تطهيرا للنفوس والأبدان من أدناس الآثام ، وفي تقديم الخيرات إدراك الفوز برضوان الله .