القول في قال لمن حوله ألا تستمعون ( 25 ) تأويل قوله تعالى : ( قال ربكم ورب آبائكم الأولين ( 26 ) قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ( 27 ) قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون ( 28 ) قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين ( 29 ) )
يعني تعالى ذكره بقوله ( قال لمن حوله ألا تستمعون ) قال فرعون لمن حوله من قومه : ألا تستمعون لما يقول موسى ، فأخبر موسى عليه السلام القوم بالجواب عن مسألة فرعون إياه وقيله له ( وما رب العالمين ) ليفهم بذلك قوم فرعون مقالته لفرعون ، وجوابه إياه عما سأله ، إذ قال لهم فرعون ( ألا تستمعون ) إلى قول موسى ، فقال لهم الذي دعوته إليه وإلى عبادته ( ربكم ) الذي خلقكم ( ورب آبائكم الأولين ) فقال فرعون لما قال لهم موسى ذلك ، وأخبرهم عما يدعو إليه فرعون وقومه : ( إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ) يقول : إن رسولكم هذا الذي يزعم أنه أرسل إليكم لمغلوب على عقله ، لأنه يقول قولا لا نعرفه ولا نفهمه ، وإنما قال ذلك ونسب موسى عدو الله إلى الجنة ، لأنه كان عنده وعند قومه أنه لا رب غيره يعبد ، وأن الذي يدعوه إليه موسى باطل ليست له حقيقة ، فقال موسى عند ذلك محتجا عليهم ، ومعرفهم ربهم بصفته وأدلته ، إذ كان عند قوم فرعون أن الذي يعرفونه ربا لهم في ذلك الوقت هو فرعون ، وأن الذي يعرفونه لآبائهم أربابا ملوك أخر ، كانوا قبل فرعون ، قد مضوا فلم يكن عندهم أن موسى أخبرهم بشيء له معنى يفهمونه ولا يعقلونه ، ولذلك قال لهم فرعون : إنه مجنون ، لأن كلامه كان عندهم كلاما لا يعقلون معناه ، وقوله : ( قال رب المشرق والمغرب وما بينهما ) فمعناه : الذي أدعوكم وفرعون إلى عبادته رب المشرق والمغرب وما بينهما ، يعني ملك مشرق الشمس ومغربها ، وما بينهما من شيء لا إلى عبادة ملوك مصر الذين كانوا ملوكها قبل فرعون لآبائكم فمضوا ، ولا إلى عبادة فرعون الذي هو ملكها . ( إن كنتم تعقلون ) يقول : إن كان لكم عقول تعقلون بها ما يقال لكم ، وتفهمون بها ما تسمعون مما يعين لكم ; فلما أخبرهم عليه السلام بالأمر الذي علموا أنه الحق [ ص: 345 ] الواضح ، إذ كان فرعون ومن قبله من ملوك مصر لم يجاوز ملكهم عريش مصر ، وتبين لفرعون ومن حوله من قومه أن الذي يدعوهم موسى إلى عبادته ، هو الملك الذي يملك الملوك . قال فرعون حينئذ استكبارا عن الحق ، وتماديا في الغي لموسى : ( لئن اتخذت إلها غيري ) يقول : لئن أقررت بمعبود سواي ( لأجعلنك من المسجونين ) يقول : لأسجننك مع من في السجن من أهله .