القول في قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ( 38 ) تأويل قوله تعالى : [ ص: 460 ] ( قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين ( 39 ) قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم ( 40 ) )
اختلف أهل العلم في الحين الذي قال فيه سليمان ( يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها ) فقال بعضهم : قال ذلك حين أتاه الهدهد بنبأ صاحبة سبأ ، وقال له : ( وجئتك من سبإ بنبإ يقين ) وأخبره أن لها عرشا عظيما ، فقال له سليمان صلى الله عليه وسلم : ( سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ) فكان اختباره صدقه من كذبه بأن قال لهؤلاء : أيكم يأتيني بعرش هذه المرأة قبل أن يأتوني مسلمين . وقالوا إنما كتب سليمان الكتاب مع الهدهد إلى المرأة بعد ما صح عنده صدق الهدهد بمجيء العالم بعرشها إليه على ما وصفه به الهدهد ، قالوا : ولولا ذلك كان محالا أن يكتب معه كتابا إلى من لا يدري ، هل هو في الدنيا أم لا ؟ قالوا : وأخرى أنه لو كان كتب مع الهدهد كتابا إلى المرأة قبل مجيء عرشها إليه ، وقبل علمه صدق الهدهد بذلك ، لم يكن لقوله له ( سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ) معنى ; لأنه لا يلم بخبره الثاني من إبلاغه إياها الكتاب ، أو ترك إبلاغه إياها ذلك ، إلا نحو الذي علم بخبره الأول حين قال له : ( وجئتك من سبإ بنبإ يقين ) قالوا : وإن لم يكن في الكتاب معهم امتحان صدقه من كذبه ، وكان محالا أن يقول نبي الله قولا لا معنى له وقد قال : ( سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ) علم أن الذي امتحن به صدق الهدهد من كذبه هو مصير عرش المرأة إليه ، على ما أخبره به الهدهد الشاهد على صدقه ، ثم كان الكتاب معه بعد ذلك إليها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : إن سليمان أوتي ملكا ، وكان لا يعلم أن أحدا أوتي ملكا غيره ; فلما فقد الهدهد سأله : من أين جئت ؟ ووعده وعيدا شديدا بالقتل والعذاب ، قال : ( وجئتك من سبإ بنبإ يقين ) قال له سليمان : ما هذا النبأ ؟ قال الهدهد : ( إنى وجدت امرأة ) بسبأ ( تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم ) فلما أخبر الهدهد سليمان أنه وجد سلطانا ، أنكر أن يكون لأحد في الأرض سلطان غيره ، [ ص: 461 ] فقال لمن عنده من الجن والإنس : ( يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين ) قال سليمان : أريد أعجل من ذلك ( قال الذي عنده علم من الكتاب ) وهو رجل من الإنس عنده علم من الكتاب فيه اسم الله الأكبر ، الذي إذا دعي به أجاب : ( أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) فدعا بالاسم وهو عنده قائم ، فاحتمل العرش احتمالا حتى وضع بين يدي سليمان ، والله صنع ذلك ; فلما أتى سليمان بالعرش وهم مشركون ، يسجدون للشمس والقمر ، أخبره الهدهد بذلك ، فكتب معه كتابا ثم بعثه إليهم ، حتى إذا جاء الهدهد الملكة ألقى إليها الكتاب ( قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ) . . . إلى ( وأتوني مسلمين ) فقالت لقومها ما قالت ( وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ) قال : وبعثت إليه بوصائف ووصفاء ، وألبستهم لباسا واحدا ، حتى لا يعرف ذكر من أنثى ، فقالت : إن زيل بينهم حتى يعرف الذكر من الأنثى ، ثم رد الهدية ، فإنه نبي ، وينبغي لنا أن نترك ملكنا ونتبع دينه ونلحق به ، فرد سليمان الهدية وزيل بينهم ، فقال : هؤلاء غلمان وهؤلاء جوار وقال : ( أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون ) . . . إلى آخر الآية .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( إني وجدت امرأة تملكهم ) . . . الآية ; قال : وأنكر سليمان أن يكون لأحد على الأرض سلطان غيره ، قال لمن حوله من الجن والإنس : ( أيكم يأتيني بعرشها ) . . . الآية .
وقال آخرون : بل إنما اختبر صدق الهدهد سليمان بالكتاب ، وإنما سأل من عنده إحضاره عرش المرأة بعد ما خرجت رسلها من عنده ، وبعد أن أقبلت المرأة إليه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن ، قال : لما رجعت إليها الرسل بما قال وهب بن منبه سليمان : قالت : والله عرفت ما هذا بملك ، وما لنا به طاقة ، وما نصنع بمكاثرته شيئا ، وبعثت : إني قادمة عليك بملوك قومي ، حتى أنظر ما أمرك ، وما تدعو إليه من دينك ؟ ثم أمرت بسرير ملكها ، الذي كانت تجلس عليه ، وكان من ذهب مفصص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ ، فجعل في سبعة أبيات بعضها [ ص: 462 ] في بعض ، ثم أقفلت عليه الأبواب . وكانت إنما يخدمها النساء ، معها ستمائة امرأة يخدمنها ; ثم قالت لمن خلفت على سلطانها ، احتفظ بما قبلك ، وبسرير ملكي ، فلا يخلص إليه أحد من عباد الله ، ولا يرينه أحد حتى آتيك ; ثم شخصت إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل معها من ملوك اليمن ، تحت يد كل قيل منهم ألوف كثيرة ، فجعل سليمان يبعث الجن ، فيأتونه بمسيرها ومنتهاها كل يوم وليلة ، حتى إذا دنت جمع من عنده من الجن والإنس ممن تحت يده ، فقال : ( يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ) .
وتأويل الكلام : قال سليمان لأشراف من حضره من جنده من الجن والإنس : ( يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها ) يعني سريرها .
كما حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( أيكم يأتيني بعرشها ) قال : سرير في أريكة .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد ، قال : عرشها سرير في أريكة . قال : سرير من ذهب ، قوائمه من جوهر ولؤلؤ . ابن جريج
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن : ( وهب بن منبه أيكم يأتيني بعرشها ) بسريرها .
وقال ابن زيد في ذلك ما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( أيكم يأتيني بعرشها ) قال : مجلسها .
واختلف أهل العلم في السبب الذي من أجله خص سليمان مسألة الملأ من جنده إحضار عرش هذه المرأة من بين أملاكها قبل إسلامها ، فقال بعضهم : إنما فعل ذلك لأنه أعجبه حين وصف له الهدهد صفته ، وخشي أن تسلم فيحرم عليه مالها ، فأراد أن يأخذ سريرها ذلك قبل أن يحرم عليه أخذه بإسلامها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : أخبر سليمان الهدهد أنها قد خرجت لتأتيه ، وأخبر بعرشها فأعجبه . كان من ذهب [ ص: 463 ] وقوائمه من جوهر مكلل باللؤلؤ ، فعرف أنهم إن جاءوه مسلمين لم تحل لهم أموالهم ، فقال للجن : ( أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ) .
وقال آخرون : بل فعل ذلك سليمان ليعاتبها به ، ويختبر به عقلها ، هل تثبته إذا رأته ، أم تنكره ؟
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : أعلم الله سليمان أنها ستأتيه ، فقال : ( أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ) حتى يعاتبها ، وكانت الملوك يتعاتبون بالعلم .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( قبل أن يأتوني مسلمين ) فقال بعضهم : معناه : قبل أن يأتوني مستسلمين طوعا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( قبل أن يأتوني مسلمين ) يقول : طائعين .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : قبل أن يأتوني مسلمين الإسلام الذي هو دين الله .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال : ( ابن جريج أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ) بحرمة الإسلام فيمنعهم وأموالهم ، يعني : الإسلام يمنعهم .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال بالصواب في السبب الذي من أجله خص سليمان بسؤاله الملأ من جنده بإحضاره عرش هذه المرأة دون سائر ملكها عندنا ، ليجعل ذلك حجة عليها في نبوته ، ويعرفها بذلك قدرة الله وعظيم شأنه ، أنها خلفته في بيت في جوف أبيات ، بعضها في جوف بعض ، مغلق مقفل عليها ، فأخرجه الله من ذلك كله ، بغير فتح أغلاق وأقفال ، حتى أوصله إلى وليه من خلقه ، وسلمه إليه ، فكان لها في ذلك أعظم حجة ، على حقيقة ما دعاها إليه سليمان ، وعلى صدق سليمان فيما أعلمها من نبوته .
فأما الذي هو أولى التأويلين في قوله ( قبل أن يأتوني مسلمين ) بتأويله ، فقول [ ص: 464 ] ابن عباس الذي ذكرناه قبل ، من أن معناه طائعين ، لأن المرأة لم تأت سليمان إذ أتته مسلمة ، وإنما أسلمت بعد مقدمها عليه وبعد محاورة جرت بينهما ومساءلة .
وقوله : ( قال عفريت من الجن ) يقول تعالى ذكره : قال رئيس من الجن مارد قوي . وللعرب فيه لغتان : عفريت ، وعفرية ; فمن قال : عفرية ، جمعه : عفاري ; ومن قال : عفريت ، جمعه : عفاريت .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ، قال ابن جريج مجاهد : ( قال عفريت من الجن ) قال : مارد من الجن ( أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ) .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة وغيره ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن بعض أصحابه : ( قال عفريت ) قال : داهية .
قال : ثني حجاج ، عن ، قال : أخبرني ابن جريج وهب بن سليمان ، عن شعيب الجبائي قال : العفريت الذي ذكره الله : اسمه كوزن .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم : ( قال عفريت ) اسمه : كوزن .
وقوله : ( أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ) يقول : أنا آتيك بعرشها قبل أن تقوم من مقعدك هذا .
وكان فيما ذكر قاعدا للقضاء بين الناس ، فقال : أنا آتيك به قبل أن تقوم من مجلسك هذا الذي جلست فيه للحكم بين الناس . وذكر أنه كان يقعد إلى انتصاف النهار .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . [ ص: 465 ]
قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة وغيره ، مثله ، قال : وكان يقضي ، قال : قبل أن تقوم من مجلسك الذي تقضي فيه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن : ( وهب بن منبه أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ) يعني : مجلسه .
وقوله ( وإني عليه لقوي أمين ) على ما فيه من الجواهر ، ولا أخون فيه .
وقد قيل : أمين على فرج المرأة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( وإني عليه لقوي أمين ) يقول : قوي على حمله ، أمين على فرج هذه .
قوله : ( قال الذي عنده علم من الكتاب ) يقول جل ثناؤه : قال الذي عنده علم من كتاب الله ، وكان رجلا فيما ذكر من بني آدم ، فقال بعضهم : اسمه بليخا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني ، قال : ثنا محمد بن بشار أبو عثمة ، قال : ثنا شعبة ، عن بشر ، عن قتادة ، في قوله : ( قال الذي عنده علم من الكتاب ) قال : كان اسمه بليخا .
حدثني يحيى بن داود الواسطي ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ، في قوله : ( الذي عنده علم من الكتاب ) رجل من الإنس .
حدثنا ابن عرفة ، قال : ثنا ، عن مروان بن معاوية الفزاري العلاء بن عبد الكريم ، عن مجاهد ، في قول الله : ( قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به ) قال : أنا أنظر في كتاب ربي ، ثم آتيك به ( قبل أن يرتد إليك طرفك ) قال : فتكلم ذلك العالم بكلام دخل العرش تحت الأرض حتى خرج إليهم .
حدثنا ابن عرفة ، قال : ثني حماد بن محمد ، عن عثمان بن مطر ، عن الزهري ، قال : دعا الذي عنده علم من الكتاب : يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا ، لا إله إلا أنت ، ائتني بعرشها ، قال : فمثل بين يديه .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : ( قال الذي عنده علم من الكتاب ) قال : رجل من بني آدم ، أحسبه قال : من بني إسرائيل ، كان يعلم اسم الله الذي إذا دعي به أجاب . [ ص: 466 ]
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( الذي عنده علم من الكتاب ) قال : الاسم الذي إذا دعي به أجاب ، وهو : يا ذا الجلال والإكرام .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : قال سليمان لمن حوله : ( أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ) فقال عفريت ( أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ) قال سليمان : أريد أعجل من ذلك ، فقال رجل من الإنس عنده علم من الكتاب ، يعني اسم الله إذا دعي به أجاب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : ( قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين ) لا آتيك بغيره ، أقول غيره أمثله لك . قال : وخرج يومئذ رجل عابد في جزيرة من البحر ، فلما سمع العفريت ، ( أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) قال : ثم دعا باسم من أسماء الله ، فإذا هو يحمل بين عينيه ، وقرأ : ( فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ) . . . حتى بلغ ( فإن ربي غني كريم ) .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ، قال : قال رجل من الإنس . ابن جريج
قال : وقال مجاهد : الذي عنده علم من الكتاب : علم اسم الله .
وقال آخرون : الذي عنده علم من الكتاب ، كان آصف .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( قال عفريت ) لسليمان ( أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين ) فزعموا أن سليمان بن داود قال : أبتغي أعجل من هذا ، فقال آصف بن برخيا ، وكان صديقا يعلم الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب ، وإذا سئل به أعطى : ( أنا ) يا نبي الله ( آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) .
وقوله : ( أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) اختلف أهل التأويل في تأويل [ ص: 467 ] ذلك ، فقال بعضهم : معناه : أنا آتيك به قبل أن يصل إليك من كان منك على مد البصر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني إبراهيم ، قال : ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن سعيد بن جبير : ( قبل أن يرتد إليك طرفك ) قال : من قبل أن يرجع إليك أقصى من ترى ، فذلك قوله ( قبل أن يرتد إليك طرفك ) .
قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، قال : قال غير قتادة : ( قبل أن يرتد إليك طرفك ) قبل أن يأتيك الشخص من مد البصر .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : من قبل أن يبلغ طرفك مداه وغايته .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم عن : ( وهب بن منبه قبل أن يرتد إليك طرفك ) تمد عينيك فلا ينتهي طرفك إلى مداه حتى أمثله بين يديك . قال : ذلك أريد .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عثام ، عن إسماعيل ، عن سعيد بن جبير ، قال : أخبرت أنه قال : ارفع طرفك من حيث يجيء ، فلم يرجع إليه طرفه حتى وضع العرش بين يديه .
حدثنا ، قال : ثنا محمد بن بشار يحيى ، قال : ثنا سفيان ، عن عطاء ، عن مجاهد ، في قوله : ( قبل أن يرتد إليك طرفك ) قال : مد بصره .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( قبل أن يرتد إليك طرفك ) قال : إذا مد البصر حتى يرد الطرف خاسئا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد : ( قبل أن يرتد إليك طرفك ) قال : إذا مد البصر حتى يحسر الطرف .
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : قبل أن يرجع إليك طرفك من أقصى أثره ، وذلك أن معنى قوله ( يرتد إليك ) يرجع إليك البصر ، إذا فتحت العين غير راجع ، بل إنما يمتد ماضيا إلى أن يتناهى ما امتد نوره . فإذا كان ذلك كذلك ، وكان الله إنما أخبرنا عن قائل ذلك ( أنا آتيك به قبل أن يرتد ) لم يكن [ ص: 468 ] لنا أن نقول : أنا آتيك به قبل أن يرتد راجعا ( إليك طرفك ) من عند منتهاه .
وقوله : ( فلما رآه مستقرا عنده ) يقول : فلما رأى سليمان عرش ملكة سبأ مستقرا عنده . وفي الكلام متروك استغنى بدلالة ما ظهر عما ترك ، وهو : فدعا الله ، فأتى به ; فلما رآه سليمان مستقرا عنده . وذكر أن العالم دعا الله ، فغار العرش في المكان الذي كان به ، ثم نبع من تحت الأرض بين يدي سليمان .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن ، قال : ذكروا أن وهب بن منبه آصف بن برخيا توضأ ، ثم ركع ركعتين ، ثم قال : يا نبي الله ، امدد عينك حتى ينتهي طرفك ، فمد سليمان عينه ينظر إليه نحو اليمن ، ودعا آصف فانخرق بالعرش مكانه الذي هو فيه ، ثم نبع بين يدي سليمان ( فلما رآه ) سليمان ( مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني ) . . . الآية .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : نبع عرشها من تحت الأرض .
وقوله : ( قال هذا من فضل ربي ليبلوني ) يقول : هذا البصر والتمكن والملك والسلطان الذي أنا فيه حتى حمل إلي عرش هذه في قدر ارتداد الطرف منمأرب إلى الشام ، من فضل ربي الذي أفضله علي وعطائه الذي جاد به علي ، ليبلوني ، يقول : ليختبرني ويمتحنني ، أأشكر ذلك من فعله علي ، أم أكفر نعمته علي بترك الشكر له .
وقد قيل : إن معناه : أأشكر على عرش هذه المرأة إذ أتيت به ، أم أكفر إذ رأيت من هو دوني في الدنيا أعلم مني .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ، قال : أخبرني ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ابن عباس ، في قوله : ( فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر ) على السرير إذ أتيت به ( أم أكفر ) إذ رأيت من هو دوني في الدنيا أعلم مني ؟ .
وقوله : ( ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ) يقول : ومن شكر نعمة الله عليه ، وفضله عليه ، فإنما يشكر طلب نفع نفسه ، لأنه ليس ينفع بذلك غير نفسه ; لأنه لا حاجة [ ص: 469 ] لله إلى أحد من خلقه ، وإنما دعاهم إلى شكره تعريضا منه لهم للنفع ، لا لاجتلاب منه بشكرهم إياه نفعا إلى نفسه ، ولا دفع ضر عنها ( ومن كفر فإن ربي غني كريم ) يقول : ومن كفر نعمه وإحسانه إليه وفضله عليه لنفسه ظلم ، وحظها بخس ، والله غني عن شكره ، لا حاجة به إليه ، لا يضره كفر من كفر به من خلقه ، كريم ومن كرمه إفضاله على من يكفر نعمه ، ويجعلها وصلة يتوصل بها إلى معاصيه .