القول في تأويل قوله تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في الذين عناهم الله - جل ثناؤه - بقوله : ( الذين آتيناهم الكتاب ) فقال بعضهم : هم المؤمنون برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به من أصحابه .
ذكر من قال ذلك :
1878 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا ، عن يزيد بن زريع سعيد ، عن قتادة قوله : ( الذين آتيناهم الكتاب ) ، هؤلاء أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم ، آمنوا بكتاب الله وصدقوا به .
وقال آخرون : بل عنى الله بذلك علماء بني إسرائيل ، الذين آمنوا بالله وصدقوا رسله ، فأقروا بحكم التوراة ، فعملوا بما أمر الله فيها من اتباع محمد صلى [ ص: 565 ] الله عليه وسلم ، والإيمان به ، والتصديق بما جاء به من عند الله .
ذكر من قال ذلك :
1879 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون ) ، قال : من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم من يهود فأولئك هم الخاسرون .
وهذا القول أولى بالصواب من القول الذي قاله قتادة ؛ لأن الآيات قبلها مضت بأخبار أهل الكتابين ، وتبديل من بدل منهم كتاب الله ، وتأولهم إياه على غير تأويله ، وادعائهم على الله الأباطيل ، ولم يجر لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الآية التي قبلها ذكر ، فيكون قوله : ( الذين آتيناهم الكتاب ) ، موجها إلى الخبر عنهم ، ولا لهم بعدها ذكر في الآية التي تتلوها ، فيكون موجها ذلك إلى أنه خبر مبتدأ عن قصص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعد انقضاء قصص غيرهم ، ولا جاء بأن ذلك خبر عنهم أثر يجب التسليم له .
فإذ كان ذلك كذلك ، فالذي هو أولى بمعنى الآية أن يكون موجها إلى أنه خبر عمن قص الله - جل ثناؤه - [ قصصهم ] في الآية قبلها والآية بعدها ، وهم أهل الكتابين : التوراة والإنجيل . وإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية : الذين آتيناهم الكتاب الذي قد عرفته يا محمد - وهو التوراة - فقرأوه واتبعوا ما فيه ، فصدقوك وآمنوا بك ، وبما جئت به من عندي ، أولئك يتلونه حق تلاوته . [ ص: 566 ]
وإنما أدخلت الألف واللام في"الكتاب" لأنه معرفة ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عرفوا أي الكتب عنى به .