يقول - تعالى ذكره - : فأخذنا جميع هذه الأمم التي ذكرناها لك يا محمد بعذابنا [ ص: 36 ] ( فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ) وهم قوم لوط الذين أمطر الله عليهم حجارة من سجيل منضود ، والعرب تسمي الريح العاصف التي فيها الحصى الصغار أو الثلج أو البرد والجليد حاصبا ، ومنه قول الأخطل :
ولقد علمت إذا العشار تروحت هدج الرئال يكبهن شمالا ترمي العضاه بحاصب من ثلجها
حتى يبيت على العضاه جفالا
وقال : الفرزدق
مستقبلين شمال الشأم تضربنا بحاصب كنديف القطن منثور
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج ، عن قال : قال ابن جريج ابن عباس : ( فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ) قوم لوط .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ) وهم قوم لوط ( ومنهم من أخذته الصيحة ) .
اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بذلك ، فقال بعضهم : هم ثمود قوم صالح .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج ، عن قال : قال ابن جريج ابن عباس : ( ومنهم من أخذته الصيحة ) ثمود .
وقال آخرون : بل هم قوم شعيب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ومنهم من أخذته الصيحة ) قوم شعيب . [ ص: 37 ]
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله قد أخبر عن ثمود وقوم شعيب من أهل مدين أنه أهلكهم بالصيحة في كتابه في غير هذا الموضع ، ثم قال جل ثناؤه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : فمن الأمم التي أهلكناهم من أرسلنا عليهم حاصبا ، ( ومنهم من أخذته الصيحة ) ، فلم يخصص الخبر بذلك عن بعض من أخذته الصيحة من الأمم دون بعض ، وكلا الأمتين أعني ثمود ومدين قد أخذتهم الصيحة . وقوله : ( ومنهم من خسفنا به الأرض ) يعني بذلك قارون .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج ، عن قال : قال ابن جريج ابن عباس : ( ومنهم من خسفنا به الأرض ) قارون ( ومنهم من أغرقنا ) يعني : قوم نوح وفرعون وقومه .
واختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم : عنى بذلك : قوم نوح عليه السلام .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج ، عن قال : قال ابن جريج ابن عباس : ( ومنهم من أغرقنا ) قوم نوح .
وقال آخرون : بل هم قوم فرعون .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ومنهم من أغرقنا ) قوم فرعون .
والصواب من القول في ذلك ، أن يقال : عني به قوم نوح وفرعون وقومه ؛ لأن الله لم يخصص بذلك إحدى الأمتين دون الأخرى ، وقد كان أهلكهما قبل نزول هذا الخبر عنهما ، فهما معنيتان به .
وقوله : ( وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) يقول - تعالى ذكره - : ولم يكن الله ليهلك هؤلاء الأمم الذين أهلكهم ، بذنوب غيرهم ، فيظلمهم بإهلاكه إياهم بغير استحقاق ، بل إنما أهلكهم بذنوبهم ، وكفرهم بربهم ، وجحودهم نعمه عليهم ، [ ص: 38 ] مع تتابع إحسانه عليهم ، وكثرة أياديه عندهم ، ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) بتصرفهم في نعم ربهم ، وتقلبهم في آلائه وعبادتهم غيره ، ومعصيتهم من أنعم عليهم .