القول في تأويل قوله تعالى : ( وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ( 10 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ومن حكمته أنه ( خلق السموات ) السبع ( بغير عمد ترونها ) ، وقد ذكرت فيما مضى اختلاف أهل التأويل في معنى قوله : ( بغير عمد ترونها ) وبينا الصواب من القول في ذلك عندنا .
وقد حدثنا ابن وكيع قال : ثنا معاذ بن معاذ ، عن عمران بن حدير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( بغير عمد ترونها ) قال : لعلها بعمد لا ترونها .
وقال : ثنا العلاء بن عبد الجبار ، عن حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن بن مسلم ، عن مجاهد قال : إنها بعمد لا ترونها .
قال : ثنا عن يحيى بن آدم ، شريك ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لعلها بعمد لا ترونها .
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى محمد ، عن سماك ، عن عكرمة في هذا الحرف ( خلق السموات بغير عمد ترونها ) قال : ترونها بغير عمد ، وهي بعمد .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( خلق السموات بغير عمد ترونها ) قال : قال الحسن وقتادة : إنها بغير عمد ترونها ، ليس لها عمد . [ ص: 133 ]
وقال ابن عباس ( بغير عمد ترونها ) قال : لها عمد لا ترونها .
وقوله : ( وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ) يقول : وجعل على ظهر الأرض رواسي ، وهي ثوابت الجبال أن تميد بكم أن لا تميد بكم . يقول : أن لا تضطرب بكم ، ولا تتحرك يمنة ولا يسرة ، ولكن تستقر بكم .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : ( وألقى في الأرض رواسي ) : أي : جبالا ( أن تميد بكم ) أثبتها بالجبال ، ولولا ذلك ما أقرت عليها خلقا ، وذلك كما قال الراجز :
والمهر يأبى أن يزال ملهبا
بمعنى : لا يزال .
وقوله : ( وبث فيها من كل دابة ) يقول : وفرق في الأرض من كل أنواع الدواب . وقيل : الدواب اسم لكل ما أكل وشرب ، وهو عندي لكل ما دب على الأرض .
وقوله : ( وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم ) يقول - تعالى ذكره - : وأنزلنا من السماء مطرا ، فأنبتنا بذلك المطر في الأرض من كل زوج ، يعني : من كل نوع من النبات ( كريم ) ، وهو الحسن النبتة .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( من كل زوج كريم ) : أي حسن .