القول في تأويل قوله تعالى : ( وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ( 15 ) )
يقول - تعالى ذكره - : وإن جاهدك - أيها الإنسان - والداك على أن تشرك بي في عبادتك إياي معي غيري - مما لا تعلم أنه لي شريك ، ولا شريك له تعالى ذكره علوا كبيرا - فلا تطعهما فيما أراداك عليه من الشرك بي ، ( وصاحبهما في الدنيا معروفا ) يقول : وصاحبهما في الدنيا بالطاعة لهما فيما لا تبعة عليك فيه ، فيما بينك وبين ربك ولا إثم .
وقوله : ( واتبع سبيل من أناب إلي ) يقول : واسلك طريق من تاب من شركه ، ورجع إلى الإسلام ، واتبع محمدا - صلى الله عليه وسلم - .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( واتبع سبيل من أناب إلي ) أي : من أقبل إلي .
وقوله : ( إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) فإن إلي مصيركم ومعادكم بعد مماتكم ، فأخبركم بجميع ما كنتم في الدنيا تعملون من خير وشر ، ثم أجازيكم على أعمالكم ، المحسن منكم بإحسانه والمسيء بإساءته .
فإن قال لنا قائل : ما وجه اعتراض هذا الكلام بين الخبر عن وصيتي لقمان ابنه ؟ . قيل - ذلك أيضا وإن كان خبرا من الله - تعالى ذكره - عن وصيته عباده به ، وأنه إنما أوصى به لقمان ابنه ، فكان معنى الكلام : ( وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) ولا تطع في الشرك به والديك ( وصاحبهما في الدنيا معروفا ) - فإن الله وصى بهما ، فاستؤنف الكلام على وجه الخبر من الله ، وفيه هذا المعنى ، فذلك [ ص: 140 ] وجه اعتراض ذلك بين الخبرين عن وصيته .