القول في تأويل قوله تعالى : ( وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض ( 20 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ( ألم تروا ) أيها الناس ( أن الله سخر لكم ما في السماوات ) من شمس وقمر ونجم وسحاب ( وما في الأرض ) من دابة وشجر وماء وبحر وفلك ، وغير ذلك من المنافع ، يجري ذلك كله لمنافعكم ومصالحكم ، لغذائكم وأقواتكم وأرزاقكم وملاذكم ، تتمتعون ببعض ذلك كله ، وتنتفعون بجميعه ، ( وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ) . [ ص: 148 ]
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأه بعض المكيين وعامة الكوفيين : ( وأسبغ عليكم نعمة ) على الواحدة ، ووجهوا معناها إلى أنه الإسلام ، أو إلى أنها شهادة أن لا إله إلا الله . وقرأته عامة قراء المدينة والبصرة : ( نعمه ) على الجماع ، ووجهوا معنى ذلك ، إلى أنها النعم التي سخرها الله للعباد مما في السموات والأرض ، واستشهدوا لصحة قراءتهم ذلك كذلك بقوله : ( شاكرا لأنعمه ) قالوا : فهذا جمع النعم .
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار ، متقاربتا المعنى ، وذلك أن النعمة قد تكون بمعنى الواحدة ، ومعنى الجماع ، وقد يدخل في الجماع الواحدة . وقد قال جل ثناؤه ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) فمعلوم أنه لم يعن بذلك نعمة واحدة . وقال في موضع آخر : ( ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه ) ، فجمعها ، فبأي القراءتين قرأ القارئ ذلك فمصيب .
ذكر بعض من قرأ ذلك على التوحيد ، وفسره على ما ذكرنا عن قارئيه أنهم يفسرونه .
حدثني أحمد بن يوسف قال : ثنا قال : ثنا القاسم بن سلام حجاج قال : ثني مستور الهنائي ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أنه قرأها : ( وأسبغ عليكم نعمته ظاهرة وباطنة ) وفسرها : الإسلام .
حدثت عن الفراء قال : ثني عن شريك بن عبد الله ، خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه قرأ : ( نعمة ) واحدة . قال : ولو كانت ( نعمه ) ، لكانت نعمة دون نعمة ، أو نعمة فوق نعمة " الشك من الفراء " .
حدثني عبد الله بن محمد الزهري قال : ثنا سفيان قال : ثنا حميد قال : قرأ مجاهد : ( وأسبغ عليكم نعمته ظاهرة وباطنة ) قال : لا إله إلا الله .
حدثني العباس بن أبي طالب قال : ثنا ابن أبي بكير ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وأسبغ عليكم نعمته ظاهرة وباطنة ) قال : كان يقول : هي لا إله إلا الله .
حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد ( وأسبغ عليكم نعمته ظاهرة وباطنة ) قال : لا إله إلا الله .
حدثنا ابن وكيع قال : ثنا ابن عيينة ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد قال : [ ص: 149 ] لا إله إلا الله .
حدثنا ابن وكيع قال : ثنا عن يحيى بن آدم ، سفيان ، عن عيسى ، عن قيس ، عن ابن عباس ( نعمة ظاهرة وباطنة ) قال : لا إله إلا الله . وقوله : ( ظاهرة ) يقول : ظاهرة على الألسن قولا وعلى الأبدان وجوارح الجسد عملا . وقوله : ( وباطنة ) يقول : وباطنة في القلوب ، اعتقادا ومعرفة .
وقوله : ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ) يقول - تعالى ذكره - : ومن الناس من يخاصم في توحيد الله ، وإخلاص الطاعة والعبادة له ( بغير علم ) عنده بما يخاصم ، ( ولا هدى ) : يقول : ولا بيان يبين به صحة ما يقول ( ولا كتاب منير ) يقول : ولا بتنزيل من الله جاء بما يدعي ، يبين حقية دعواه .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ) ليس معه من الله برهان ولا كتاب .