يقول - تعالى ذكره - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - عتابا من الله له ( و ) اذكر يا محمد ( إذ تقول للذي أنعم الله عليه ) بالهداية ( وأنعمت عليه ) بالعتق ، يعني مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( زيد بن حارثة أمسك عليك زوجك واتق الله ) وذلك أن زينب بنت جحش فيما ذكر رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعجبته ، وهي في حبال مولاه ، فألقي في نفس زيد كراهتها لما علم الله مما وقع في نفس نبيه ما وقع ، فأراد فراقها ، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أمسك عليك زوجك ) وهو - صلى الله عليه وسلم - يحب أن تكون قد بانت منه لينكحها ( واتق الله ) وخف الله في الواجب له عليك في زوجتك ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) يقول : وتخفي في نفسك محبة فراقه إياها لتتزوجها إن هو فارقها ، والله مبد ما تخفي في نفسك من ذلك ( وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) يقول - تعالى ذكره - : وتخاف أن يقول الناس : أمر رجلا بطلاق امرأته ونكحها حين طلقها ، والله أحق أن تخشاه من الناس .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه ) وهو زيد أنعم الله عليه بالإسلام ( وأنعمت عليه ) أعتقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) قال : وكان يخفي في نفسه ود أنه طلقها . قال الحسن : ما أنزلت عليه آية كانت أشد عليه منها ؛ قوله ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) ولو كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كاتما شيئا من الوحي لكتمها ( وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) [ ص: 274 ] قال : خشي نبي الله - صلى الله عليه وسلم - مقالة الناس .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد زوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش ، ابنة عمته ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما يريده وعلى الباب ستر من شعر ، فرفعت الريح الستر فانكشف ، وهي في حجرتها حاسرة ، فوقع إعجابها في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما وقع ذلك كرهت إلى الآخر ، فجاء فقال : يا رسول الله إني أريد أن أفارق صاحبتي ، قال : ما ذاك ، أرابك منها شيء ؟ " قال : لا والله ما رابني منها شيء يا رسول الله ، ولا رأيت إلا خيرا ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أمسك عليك زوجك واتق الله ، فذلك قول الله تعالى ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها .
حدثني محمد بن موسى الجرشي قال : ثنا حماد بن زيد ، عن ثابت ، عن أبي حمزة قال : نزلت هذه الآية ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) في زينب بنت جحش .
حدثنا خلاد بن أسلم قال : ثنا سفيان بن عيينة ، عن عن علي بن زيد بن جدعان ، علي بن حسين قال : زينب ستكون من أزواجه ، فلما أتاه زيد يشكوها ، قال : اتق الله وأمسك عليك زوجك ، قال الله : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) . كان الله تبارك وتعالى أعلم نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن
حدثني إسحاق بن شاهين قال : ثنا داود ، عن عامر ، عن عائشة ، قالت : لو كتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا مما أوحي إليه من كتاب الله لكتم ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) . [ ص: 275 ]
وقوله : ( فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ) يقول - تعالى ذكره - : فلما قضى من زيد بن حارثة زينب حاجته ، وهي الوطر ، ومنه قول الشاعر :
ودعني قبل أن أودعه لما قضى من شبابنا وطرا
( زوجناكها ) يقول : زوجناك زينب بعد ما طلقها زيد وبانت منه ؛ ( لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم ) يعني : في نكاح نساء من تبنوا وليسوا ببنيهم ولا أولادهم على صحة إذا هم طلقوهن وبن منهم ( إذا قضوا منهن وطرا ) يقول : إذا قضوا منهن حاجاتهم وآرابهم ، وفارقوهن وحللن لغيرهم ، ولم يكن ذلك نزولا منهم لهم عنهن ( وكان أمر الله مفعولا ) يقول : وكان ما قضى الله من قضاء مفعولا أي : كائنا كان لا محالة . وإنما يعني بذلك أن قضاء الله في زينب أن يتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ماضيا مفعولا كائنا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا ) يقول : إذا طلقوهن ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبنى زيد بن حارثة .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله ( فلما قضى زيد منها وطرا ) إلى قوله ( وكان أمر الله مفعولا ) إذا كان ذلك منه غير نازل لك ، فذلك قول الله ( وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ) .
حدثني محمد بن عثمان الواسطي قال : ثنا عن جعفر بن عون ، المعلى بن [ ص: 276 ] عرفان ، عن محمد بن عبد الله بن جحش قال : تفاخرت عائشة وزينب ، قال : فقالت زينب : أنا الذي نزل تزويجي .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي قال : كانت زينب زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن ؛ إن جدي وجدك واحد ، وإني أنكحنيك الله من السماء ، وإن السفير لجبرائيل عليه السلام .