القول في تأويل قوله تعالى : ( واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن ( 55 ) )
يقول - تعالى ذكره - : لا حرج على أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آبائهن ولا إثم .
ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي وضع عنهن الجناح في هؤلاء فقال بعضهم : وضع عنهن الجناح في وضع جلابيبهن عندهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن عن [ ص: 318 ] ابن أبي ليلى ، عبد الكريم ، عن مجاهد في قوله ( لا جناح عليهن في آبائهن . . . ) الآية كلها قال : أن تضع الجلباب .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله ( لا جناح عليهن في آبائهن ) ومن ذكر معه أن يروهن .
وقال آخرون : وضع عنهن الجناح فيهن في ترك الاحتجاب .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة في قوله ( لا جناح عليهن . . . ) إلى ( شهيدا ) : فرخص لهؤلاء أن لا يحتجبن منهم .
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : ذلك وضع الجناح عنهن في هؤلاء المسلمين أن لا يحتجبن منهم ; وذلك أن هذه الآية عقيب آية الحجاب ، وبعد قول الله : ( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ) فلا يكون قوله ( لا جناح عليهن في آبائهن ) استثناء من جملة الذين أمروا بسؤالهن المتاع من وراء الحجاب إذا سألوهن ، ذلك أولى وأشبه من أن يكون خبر مبتدإ عن غير ذلك المعنى .
فتأويل الكلام إذن : لا إثم على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمهات المؤمنين في إذنهن لآبائهن وترك الحجاب منهن ، ولا لأبنائهن ولا لإخوانهن ولا لأبناء إخوانهن . وعنى بإخوانهن وأبناء إخوانهن إخوتهن وأبناء إخوتهن . وخرج معهم جمع ذلك مخرج جمع فتى إذا جمع فتيان ، فكذلك جمع أخ إذا جمع إخوان . وأما إذا جمع إخوة ، فذلك نظير جمع فتى إذا جمع فتية ، ولا أبناء إخوانهن ، ولم يذكر في ذلك العم على ما قال الشعبي حذرا من أن يصفهن لأبنائه .
حدثنا قال : ثنا محمد بن المثنى حجاج بن المنهال قال : ثنا حماد ، عن
[ ص: 319 ] داود ، عن الشعبي وعكرمة في قوله : ( لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن ) قلت : ما شأن العم والخال لم يذكرا؟ قال : لأنهما ينعتانها لأبنائهما ، وكرها أن تضع خمارها عند خالها وعمها .
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى ، أبو الوليد قال : ثنا حماد ، عن داود ، عن عكرمة نحوه ، غير أنه لم يذكر ينعتانها . والشعبي
وقوله ( ولا نسائهن ) يقول : ولا جناح عليهن أيضا في أن لا يحتجبن من نساء المؤمنين .
كما حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( ولا نسائهن ) قال : نساء المؤمنات الحرائر ليس عليهن جناح أن يرين تلك الزينة قال : وإنما هذا كله في الزينة قال : ولا يجوز للمرأة أن تنظر إلى شيء من . قال : ولو نظر الرجل إلى فخذ الرجل لم أر به بأسا قال : ( عورة المرأة ولا ما ملكت أيمانهن ) فليس ينبغي لها أن تكشف قرطها للرجل قال : وأما الكحل والخاتم والخضاب فلا بأس به قال : والزوج له فضل والآباء من وراء الرجل لهم فضل قال : والآخرون يتفاضلون قال : وهذا كله يجمعه ما ظهر من الزينة قال : وكان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحتجبن من المماليك . وقوله ( ولا ما ملكت أيمانهن ) من الرجال والنساء ، وقال آخرون : من النساء . وقوله : ( واتقين الله ) يقول : وخفن الله أيها النساء أن تتعدين ما حد الله لكن ، فتبدين من زينتكن ما ليس لكن أن تبدينه ، أو تتركن الحجاب الذي أمركن الله بلزومه ، إلا فيما أباح لكن تركه ، والزمن طاعته ( إن الله كان على كل شيء شهيدا ) يقول - تعالى ذكره - : إن الله شاهد على ما تفعلنه من احتجابكن ، وترككن الحجاب لمن أبحت لكن ترك ذلك له ، وغير ذلك من أموركن ، يقول : فاتقين الله في أنفسكن لا تلقين الله ، وهو شاهد عليكم ، بمعصيته ، وخلاف أمره ونهيه ، فتهلكن ، فإنه شاهد على كل شيء .