[ ص: 528 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ( 49 ) فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ( 50 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ما ينتظر هؤلاء المشركون الذين يستعجلون بوعيد الله إياهم ، إلا صيحة واحدة تأخذهم ، وذلك نفخة الفزع عند قيام الساعة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وجاءت الآثار .
ذكر من قال ذلك ، وما فيه من الأثر : حدثنا ابن بشار قال : ثنا ابن أبي عدي ، ومحمد بن جعفر ، قالا ثنا عن عوف بن أبي جميلة ، أبي المغيرة القواس ، عن عبد الله بن عمرو قال : لينفخن في الصور ، والناس في طرقهم وأسواقهم ومجالسهم ، حتى إن الثوب ليكون بين الرجلين يتساومان ، فما يرسله أحدهما من يده حتى ينفخ في الصور ، وحتى إن الرجل ليغدو من بيته فلا يرجع حتى ينفخ في الصور ، وهي التي قال الله ( ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ) . . . الآية " .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ) ذكر لنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " تهيج الساعة بالناس والرجل يسقي ماشيته ، والرجل يصلح حوضه ، والرجل يقيم سلعته في سوقه والرجل يخفض ميزانه ويرفعه ، وتهيج بهم وهم كذلك ، فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون " .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( ما ينظرون إلا صيحة واحدة ) قال : النفخة نفخة واحدة .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن إسماعيل بن رافع ، عمن ذكره ، عن عن محمد بن كعب القرظي ، [ ص: 529 ] قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبي هريرة ، إسرافيل ، فهو واضعه على فيه شاخص ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر ، قال : يا رسول الله : وما الصور؟ قال : قرن قال : وكيف هو؟ قال : قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات ، الأولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين ، يأمر الله أبو هريرة إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول : انفخ نفخة الفزع ، فيفزع أهل السماوات وأهل الأرض إلا من شاء الله ، ويأمره الله فيديمها ويطولها ، فلا يفتر ، وهي التي يقول الله ( وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق ) ثم يأمر الله إسرافيل بنفخة الصعق ، فيقول : انفخ نفخة الصعق ، فيصعق أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله ، فإذا هم خامدون ، ثم يميت من بقي ، فإذا لم يبق إلا الله الواحد الصمد ، بدل الأرض غير الأرض والسماوات ، فيبسطها ويسطحها ، ويمدها مد الأديم العكاظي ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، ثم يزجر الله الخلق زجرة ، فإذا هم في هذه المبدلة في مثل مواضعهم من الأولى ما كان في بطنها كان في بطنها ، وما كان على ظهرها كان على ظهرها " . " إن الله لما فرغ من خلق السماوات والأرض خلق الصور ، فأعطاه
واختلفت القراء في قراءة قوله ( وهم يخصمون ) فقرأ ذلك بعض قراء المدينة : ( وهم يخصمون ) بسكون الخاء وتشديد الصاد ، فجمع بين الساكنين ، بمعنى : يختصمون ، ثم أدغم التاء في الصاد فجعلها صادا مشددة ، وترك الخاء على سكونها في الأصل . وقرأ ذلك بعض المكيين والبصريين : ( وهم يخصمون ) بفتح الخاء وتشديد الصاد بمعنى : يختصمون ، غير أنهم نقلوا حركة التاء وهي الفتحة التي في يفتعلون إلى الخاء منها ، فحركوها بتحريكها ، وأدغموا التاء في الصاد وشددوها . وقرأ ذلك بعض قراء الكوفة : ( يخصمون ) بكسر الخاء وتشديد الصاد ، فكسروا الخاء بكسر الصاد وأدغموا التاء في الصاد وشددوها . وقرأ ذلك آخرون منهم : ( يخصمون ) بسكون الخاء وتخفيف الصاد ، بمعنى ( يفعلون ) من الخصومة ، وكأن معنى قارئ ذلك كذلك : كأنهم يتكلمون ، [ ص: 530 ] أو يكون معناه عنده : كان وهم عند أنفسهم يخصمون من وعدهم مجيء الساعة ، وقيام القيامة ، ويغلبونه بالجدل في ذلك .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن هذه قراءات مشهورات معروفات في قراء الأمصار ، متقاربات المعاني ، فبأيتهن قرأ القارئ فمصيب .
وقوله ( فلا يستطيعون توصية ) يقول - تعالى ذكره - : فلا يستطيع هؤلاء المشركون عند النفخ في الصور أن يوصوا في أموالهم أحدا ( ولا إلى أهلهم يرجعون ) يقول : ولا يستطيع من كان منهم خارجا عن أهله أن يرجع إليهم ، لأنهم لا يمهلون بذلك . ولكن يعجلون بالهلاك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فلا يستطيعون توصية ) أي : فيما في أيديهم ( ولا إلى أهلهم يرجعون ) قال : أعجلوا عن ذلك .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ) . . . الآية قال : هذا مبتدأ يوم القيامة ، وقرأ ( فلا يستطيعون توصية ) حتى بلغ ( إلى ربهم ينسلون ) .