يقول - تعالى ذكره - ( فاليوم ) يعني يوم القيامة ( لا تظلم نفس شيئا ) كذلك ربنا لا يظلم نفسا شيئا ، فلا يوفيها جزاء عملها الصالح ، ولا يحمل عليها وزر غيرها ، ولكنه يوفي كل نفس أجر ما عملت من صالح ، ولا يعاقبها إلا بما اجترمت واكتسبت من شيء ( ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون ) يقول : ولا تكافئون إلا مكافأة أعمالكم التي كنتم تعملونها في الدنيا .
وقوله ( إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ) اختلف أهل التأويل في ، فقال بعضهم : ذلك افتضاض العذارى . معنى الشغل الذي وصف الله - جل ثناؤه - أصحاب الجنة أنهم فيه يوم القيامة
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يعقوب ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية ، عن شقيق بن سلمة ، عن في قوله ( عبد الله بن مسعود إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ) قال : شغلهم افتضاض العذارى .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن أبي عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ) قال : افتضاض الأبكار .
حدثني عبيد بن أسباط بن محمد قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، [ ص: 535 ] عن عكرمة ، عن ابن عباس ( إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ) قال : افتضاض الأبكار .
حدثني الحسن بن زريق الطهوي قال : ثنا أسباط بن محمد ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثني الحسين بن علي الصدائي قال : ثنا أبو النضر ، عن الأشجعي ، عن وائل بن داود ، عن في قوله ( سعيد بن المسيب إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون ) قال : في افتضاض العذارى وقال آخرون : بل عني بذلك : أنهم في نعمة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( إن أصحاب الجنة اليوم في شغل ) قال : في نعمة .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال : ثنا مروان ، عن جويبر ، عن أبي سهل ، عن الحسن في قول الله ( إن أصحاب الجنة ) . . الآية قال : شغلهم النعيم عما فيه أهل النار من العذاب .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنهم في شغل عما فيه أهل النار .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا قال : ثنا أبي ، عن نصر بن علي الجهضمي شعبة ، عن عن أبان بن تغلب ، إسماعيل بن أبي خالد ( إن أصحاب الجنة ) . . . الآية قال : في شغل عما يلقى أهل النار .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال الله - جل ثناؤه - ( إن أصحاب الجنة ) وهم أهلها ( في شغل فاكهون ) بنعم تأتيهم في شغل ، وذلك الشغل الذي هم فيه نعمة ، وافتضاض أبكار ، ولهو ولذة ، وشغل عما يلقى أهل النار .
وقد اختلفت القراء في قراءة قوله ( في شغل ) فقرأت ذلك عامة قراء المدينة وبعض البصريين على اختلاف عنه : ( في شغل ) بضم الشين وتسكين [ ص: 536 ] الغين . وقد روي عن أبي عمرو الضم في الشين والتسكين في الغين ، والفتح في الشين والغين جميعا في شغل . وقرأ ذلك بعض أهل المدينة ، والبصرة ، وعامة قراء أهل الكوفة ( في شغل ) بضم الشين والغين .
والصواب في ذلك عندي قراءته بضم الشين والغين ، أو بضم الشين وسكون الغين ، بأي ذلك قرأه القارئ فهو مصيب ، لأن ذلك هو القراءة المعروفة في قراء الأمصار مع تقارب معنييهما . وأما قراءته بفتح الشين والغين ، فغير جائزة عندي ، لإجماع الحجة من القراء على خلافها .
واختلفوا أيضا في قراءة قوله ( فاكهون ) فقرأت ذلك عامة قراء الأمصار ( فاكهون ) بالألف . وذكر عن أبي جعفر القارئ أنه كان يقرؤه : ( فكهون ) بغير ألف .
والصواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأه بالألف ، لأن ذلك هو القراءة المعروفة .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : فرحون .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( في شغل فاكهون ) يقول : فرحون .
وقال آخرون : معناه : عجبون .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( فاكهون ) قال : عجبون .
حدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( فكهون ) قال : عجبون .
[ ص: 537 ] واختلف أهل العلم بكلام العرب في ذلك ، فقال بعض البصريين : منهم الفكه الذي يتفكه . وقال : تقول العرب للرجل الذي يتفكه بالطعام أو بالفاكهة ، أو بأعراض الناس : إن فلانا لفكه بأعراض الناس قال : ومن قرأها ( فاكهون ) جعله كثير الفواكه صاحب فاكهة ، واستشهد لقوله ذلك ببيت الحطيئة :
ودعوتني وزعمت أنك لابن بالصيف تامر
أي عنده لبن كثير ، وتمر كثير ، وكذلك عاسل ، ولاحم ، وشاحم . وقال بعض الكوفيين : ذلك بمنزلة حاذرون وحذرون ، وهذا القول الثاني أشبه بالكلمة .