القول في تأويل قوله تعالى : ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون ( 59 ) ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين ( 60 ) وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ( 61 ) )
يعني بقوله ( وامتازوا ) : تميزوا ; وهي افتعلوا ، من ماز يميز ، فعل يفعل منه : امتاز يمتاز امتيازا .
[ ص: 542 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون ) قال : عزلوا عن كل خير .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن إسماعيل بن رافع ، عمن حدثه ، عن عن محمد بن كعب القرظي ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أبي هريرة ، ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان ) . . الآية ، إلى قوله ( هذه جهنم التي كنتم توعدون ) ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون ) فيتميز الناس ويجثون ، وهي قول الله ( وترى كل أمة ) . . . الآية " . " إذا كان يوم القيامة أمر الله جهنم فيخرج منها عنق ساطع مظلم ، ثم يقول : (
فتأويل الكلام إذن : وتميزوا من المؤمنين اليوم أيها الكافرون بالله ، فإنكم واردون غير موردهم ، داخلون غير مدخلهم .
وقوله ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين ) وفي الكلام متروك استغني بدلالة الكلام عليه منه ، وهو : ثم يقال : ألم أعهد إليكم يا بني آدم ، يقول : ألم أوصكم وآمركم في الدنيا أن لا تعبدوا الشيطان فتطيعوه في معصية الله ( إنه لكم عدو مبين ) يقول : وأقول لكم : إن الشيطان لكم عدو مبين ، قد أبان لكم عداوته بامتناعه من السجود لأبيكم آدم ، حسدا منه له ، على ما كان الله أعطاه من الكرامة ، وغروره إياه ، حتى أخرجه وزوجته من الجنة .
وقوله ( وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ) يقول : وألم أعهد إليكم أن اعبدوني دون كل ما سواي من الآلهة والأنداد ، وإياي فأطيعوا ، فإن إخلاص عبادتي ، وإفراد طاعتي ، ومعصية الشيطان ، هو الدين الصحيح ، والطريق المستقيم .
[ ص: 543 ]