القول في قال فالحق والحق أقول ( 84 ) تأويل قوله تعالى : ( لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ( 85 ) قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ( 86 ) )
اختلفت القراء في قراءة قوله ( قال فالحق والحق أقول ) فقرأه بعض أهل الحجاز وعامة الكوفيين برفع الحق الأول ، ونصب الثاني . وفي رفع الحق الأول إذا قرئ كذلك وجهان : أحدهما رفعه بضمير له الحق ، أو أنا الحق وأقول الحق . والثاني : أن يكون مرفوعا بتأويل قوله ( لأملأن ) فيكون معنى الكلام حينئذ : فالحق أن أملأ جهنم منك ، كما يقول : عزمة صادقة لآتينك ، فرفع عزمة بتأويل لآتينك ، لأن تأويله أن آتيك ، كما قال : ( ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه ) فلا بد لقوله ( بدا لهم ) من مرفوع ، وهو مضمر في المعنى . وقرأ [ ص: 242 ] ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض المكيين والكوفيين بنصب الحق الأول والثاني كليهما ، بمعنى : حقا لأملأن جهنم والحق أقول ، ثم أدخلت الألف واللام عليه ، وهو منصوب ، لأن دخولهما إذا كان كذلك معنى الكلام وخروجهما منه سواء ، كما سواء قولهم : حمدا لله ، والحمد لله عندهم إذا نصب . وقد يحتمل أن يكون نصبه على وجه الإغراء بمعنى : الزموا الحق ، واتبعوا الحق ، والأول أشبه لأنه خطاب من الله لإبليس بما هو فاعل به وبتباعه .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال : إنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، لصحة معنييهما .
وأما الحق الثاني ، فلا اختلاف في نصبه بين قراء الأمصار كلهم ، بمعنى : وأقول الحق .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير ، عن الأعمش ، عن مجاهد في قوله ( فالحق والحق أقول ) يقول الله : أنا الحق ، والحق أقول .
وحدثت عن ابن أبي زائدة عن عن ابن جريج مجاهد ( فالحق والحق أقول ) يقول الله : الحق مني ، وأقول الحق .
حدثنا أحمد بن يوسف قال : ثنا القاسم قال : ثنا حجاج عن هارون قال : ثنا عن أبان بن تغلب طلحة اليامي عن مجاهد أنه قرأها ( فالحق ) بالرفع ( والحق أقول ) نصبا وقال : يقول الله : أنا الحق ، والحق أقول .
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن في قوله ( السدي قال فالحق والحق أقول ) قال : قسم أقسم الله به .
وقوله ( لأملأن جهنم منك ) يقول لإبليس : لأملأن جهنم منك وممن تبعك من بني آدم أجمعين . وقوله ( قل ما أسألكم عليه من أجر ) يقول تعالى [ ص: 243 ] ذكره لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : قل يا محمد لمشركي قومك ، القائلين لك ( أؤنزل عليه الذكر من بيننا ) : ما أسألكم على هذا الذكر وهو القرآن الذي أتيتكم به من عند الله أجرا ، يعني ثوابا وجزاء ( وما أنا من المتكلفين ) يقول : وما أنا ممن يتكلف تخرصه وافتراءه ، فتقولون : ( إن هذا إلا إفك افتراه ) و ( إن هذا إلا اختلاق ) .
كما حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله ( قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ) قال : لا أسألكم على القرآن أجرا تعطوني شيئا ، وما أنا من المتكلفين أتخرص وأتكلف ما لم يأمرني الله به .