يقول - تعالى ذكره - : ( خلقكم ) أيها الناس ( من نفس واحدة ) يعني من آدم ( ثم جعل منها زوجها ) يقول : ثم جعل من آدم زوجه حواء ، وذلك أن الله خلقها من ضلع من أضلاعه .
وبنحو الذي قلنا فى ذلك قال أهل التأويل .
[ ص: 255 ] ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( خلقكم من نفس واحدة ) يعني آدم ، ثم خلق منها زوجها حواء ، خلقها من ضلع من أضلاعه .
فإن قال قائل : وكيف قيل : خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها ؟ وإنما خلق ولد آدم من آدم وزوجته ، ولا شك أن الوالدين قبل الولد ، فإن في ذلك أقوالا أحدها أن يقال : قيل ذلك لأنه روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " آدم مسح ظهره ، فأخرج كل نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة ، ثم أسكنه بعد ذلك الجنة ، وخلق بعد ذلك حواء من ضلع من أضلاعه " فهذا قول . والآخر : أن العرب ربما أخبر الرجل منهم عن رجل بفعلين ، فيرد الأول منهما في المعنى بثم ، إذا كان من خبر المتكلم ، كما يقال : قد بلغني ما كان منك اليوم ، ثم ما كان منك أمس أعجب ، فذلك نسق من خبر المتكلم . والوجه الآخر : أن يكون خلقه الزوج مردودا على واحدها ، كأنه قيل : خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها ، فيكون في واحدة معنى : خلقها وحدها ، كما قال الراجز : إن الله لما خلق
أعددته للخصم ذي التعدي كوحته منك بدون الجهد
[ ص: 256 ] بمعنى : الذي إذا تعدى كوحته ، ومعنى : كوحته : غلبته .والقول الذي يقوله أهل العلم أولى بالصواب ، وهو القول الأول الذي ذكرت أنه يقال : إن آدم من صلبه قبل أن يخلق حواء ، وبذلك جاءت الرواية عن جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقولان الآخران على مذاهب أهل العربية . الله أخرج ذرية
وقوله : ( وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ) يقول - تعالى ذكره - : وجعل لكم من الأنعام ثمانية أزواج من الإبل زوجين ، ومن البقر زوجين ، ومن الضأن اثنين ، ومن المعز اثنين ، كما قال - جل ثناؤه - : ( ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ) .
كما حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم ، قال ، ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله : ( من الأنعام ثمانية أزواج ) قال : من الإبل والبقر والضأن والمعز .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ) من الإبل اثنين ، ومن البقر اثنين ، ومن الضأن اثنين ، ومن المعز اثنين ، من كل واحد زوج .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ) يعني من المعز اثنين ، ومن الضأن اثنين ، ومن البقر اثنين ، ومن الإبل اثنين .
وقوله : ( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ) يقول تعالى [ ص: 257 ] ذكره : يبتدئ خلقكم أيها الناس في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ، وذلك أنه يحدث فيها نطفة ، ثم يجعلها علقة ، ثم مضغة ، ثم عظاما ، ثم يكسو العظام لحما ، ثم ينشئه خلقا آخر ، تبارك الله وتعالى ، فذلك خلقه إياه خلقا بعد خلق .
كما حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن سماك عن عكرمة ( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ) قال : نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله : ( خلقا من بعد خلق ) قال : نطفة ، ثم ما يتبعها حتى تم خلقه .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ) نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظاما ، ثم لحما ، ثم أنبت الشعر ، أطوار الخلق .
حدثنا قال : ثنا هناد بن السري أبو الأحوص عن سماك ، عن عكرمة في قوله : ( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ) قال : يعني بخلق بعد الخلق علقة ، ثم مضغة ، ثم عظاما .
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن في قوله : ( السدي يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ) قال : يكونون نطفا ، ثم يكونون علقا ، ثم يكونون مضغا ، ثم يكونون عظاما ، ثم ينفخ فيهم الروح .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ) خلق نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : يخلقكم في بطون أمهاتكم من بعد خلقه إياكم في ظهر آدم ، قالوا : فذلك هو الخلق من بعد الخلق .
[ ص: 258 ] ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ) قال : خلقا في البطون من بعد الخلق الأول الذي خلقهم في ظهر آدم .
وأولى القولين في ذلك بالصواب - القول الذي قاله عكرمة ومجاهد ومن قال في ذلك مثل قولهما ، لأن ، ولم يخبر أنه يخلقنا فى بطون أمهاتنا من بعد خلقنا في ظهر الله جل وعز أخبر أنه يخلقنا خلقا من بعد خلق في بطون أمهاتنا في ظلمات ثلاث آدم ، وذلك نحو قوله : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة ) . . . الآية .
وقوله : ( في ظلمات ثلاث ) يعني : في ظلمة البطن ، وظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا قال : ثنا هناد بن السري أبو الأحوص عن سماك ، عن عكرمة ( في ظلمات ثلاث ) قال : . الظلمات الثلاث : البطن ، والرحم ، والمشيمة
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان عن سماك ، عن عكرمة ( في ظلمات ثلاث ) قال : البطن ، والمشيمة ، والرحم .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس ( في ظلمات ثلاث ) قال : يعني بالظلمات الثلاث : بطن أمه ، والرحم ، والمشيمة .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله : ( في ظلمات ثلاث ) قال : البطن ، والرحم والمشيمة .
[ ص: 259 ] حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( في ظلمات ثلاث ) المشيمة ، والرحم ، والبطن .
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي في ظلمات ثلاث ) قال : ظلمة المشيمة ، وظلمة الرحم ، وظلمة البطن .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( في ظلمات ثلاث ) قال : المشيمة في الرحم ، والرحم في البطن .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : ( في ظلمات ثلاث ) : الرحم ، والمشيمة ، والبطن ، والمشيمة التي تكون على الولد إذا خرج ، وهي من الدواب السلى .
وقوله : ( ذلكم الله ربكم ) يقول - تعالى ذكره - : هذا الذي فعل هذه الأفعال أيها الناس هو ربكم ، لا من لا يجلب لنفسه نفعا ، ولا يدفع عنها ضرا ، ولا يسوق إليكم خيرا ، ولا يدفع عنكم سوءا من أوثانكم وآلهتكم .
وقوله : ( له الملك ) يقول جل وعز : لربكم أيها الناس الذي صفته ما وصف لكم ، وقدرته ما بين لكم الملك ، ملك الدنيا والآخرة وسلطانهما لا لغيره ، فأما ملوك الدنيا فإنما يملك أحدهما شيئا دون شيء ، فإنما له خاص من الملك . وأما الملك التام الذي هو الملك بالإطلاق فلله الواحد القهار .
وقوله : ( لا إله إلا هو فأنى تصرفون ) يقول - تعالى ذكره - : لا ينبغي أن يكون معبود سواه ، ولا تصلح العبادة إلا له ( فأنى تصرفون ) يقول - تعالى ذكره - : فأنى تصرفون أيها الناس فتذهبون عن عبادة ربكم ، الذي هذه الصفة صفته ، إلى عبادة من لا ضر عنده لكم ولا نفع .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة [ ص: 260 ] ( فأنى تصرفون ) قال : كقوله : ( تؤفكون )
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( فأنى تصرفون ) قال للمشركين : أنى تصرف عقولكم عن هذا ؟ السدي