القول في أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد ( 36 ) تأويل قوله تعالى : ( ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام ( 37 ) )
اختلفت القراء في قراءة : ( أليس الله بكاف عبده ) فقرأ ذلك بعض قراء المدينة وعامة قراء أهل الكوفة : " أليس الله بكاف عباده " على الجماع ، بمعنى : أليس الله بكاف محمدا وأنبياءه من قبله - ما خوفتهم أممهم من أن تنالهم آلهتهم بسوء ، وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة ، وبعض قراء الكوفة : ( بكاف عبده ) على التوحيد ، بمعنى : أليس الله بكاف عبده محمدا .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار .
[ ص: 294 ] فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب لصحة معنييهما واستفاضة القراءة بهما في قرأة الأمصار .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي أليس الله بكاف عبده ) يقول : محمد - صلى الله عليه وسلم - .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( أليس الله بكاف عبده ) قال : بلى ، والله ليكفينه الله ويعزه وينصره كما وعده .
وقوله : ( ويخوفونك بالذين من دونه ) يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : ويخوفك هؤلاء المشركون يا محمد بالذين من دون الله من الأوثان والآلهة أن تصيبك بسوء ، ببراءتك منها ، وعيبك لها ، والله كافيك ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ويخوفونك بالذين من دونه ) : الآلهة . قال : " بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى شعب بسقام ليكسر العزى ، فقال سادنها ، وهو قيمها : يا خالد أنا أحذركها ، إن لها شدة لا يقوم إليها شيء ، فمشى إليها خالد بالفأس فهشم أنفها " .
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي ويخوفونك بالذين من دونه ) يقول : بآلهتهم التي كانوا يعبدون .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : [ ص: 295 ] ( ويخوفونك بالذين من دونه ) قال : يخوفونك بآلهتهم التي من دونه .
وقوله : ( ومن يضلل الله فما له من هاد ) يقول - تعالى ذكره - : ومن يخذله الله فيضله عن طريق الحق وسبيل الرشد ، فما له سواه من مرشد ومسدد إلى طريق الحق ، وموفق للإيمان بالله ، وتصديق رسوله ، والعمل بطاعته ( ومن يهد الله فما له من مضل ) يقول : ، فما له من مضل ، يقول : فما له من مزيغ يزيغه عن الحق الذي هو عليه إلى الارتداد إلى الكفر ( ومن يوفقه الله للإيمان به ، والعمل بكتابه أليس الله بعزيز ذي انتقام ) يقول - جل ثناؤه - : أليس الله يا محمد بعزيز في انتقامه من كفرة خلقه ، ذي انتقام من أعدائه الجاحدين وحدانيته .