القول في تأويل قوله تعالى : ( وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ( 61 ) الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ( 62 ) )
يقول - تعالى ذكره - : وينجي الله من جهنم وعذابها ، الذين اتقوه بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه في الدنيا ، بمفازتهم : يعني بفوزهم ، وهي مفعلة منه .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل ، وإن خالفت ألفاظ بعضهم اللفظة التي قلناها في ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ، في قوله : [ ص: 320 ] ( السدي وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم ) قال : بفضائلهم .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم ) قال : بأعمالهم ، قال : والآخرون يحملون أوزارهم يوم القيامة ( ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون ) .
واختلفت القراء في ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة ، وبعض قراء مكة والبصرة : ( بمفازتهم ) على التوحيد . وقرأته عامة قراء الكوفة : " بمفازاتهم " على الجماع .
والصواب عندي من القول في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، لاتفاق معنييهما ، والعرب توحد مثل ذلك أحيانا وتجمع بمعنى واحد ، فيقول أحدهم : سمعت صوت القوم ، وسمعت أصواتهم ، كما قال - جل ثناؤه - : ( إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) ، ولم يقل : أصوات الحمير ، ولو جاء ذلك كذلك كان صوابا .
وقوله : ( لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ) يقول - تعالى ذكره - : لا يمس المتقين من أذى جهنم شيء ، وهو السوء الذي أخبر - جل ثناؤه - أنه لن يمسهم ، ولا هم يحزنون ، يقول : ولا هم يحزنون على ما فاتهم من آراب الدنيا ، إذ صاروا إلى كرامة الله ونعيم الجنان .
وقوله : ( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ) يقول - تعالى ذكره - : الله الذي له الألوهة من كل خلقه الذي لا تصلح العبادة إلا له ، خالق كل شيء ، لا ما لا يقدر على خلق شيء ، وهو على كل شيء وكيل ، يقول : وهو على كل شيء قيم بالحفظ والكلاءة .