يقول - تعالى ذكره - : الذين يحملون عرش الله من ملائكته ، ومن حول عرشه ممن يحف به من الملائكة ( يسبحون بحمد ربهم ) يقول : يصلون لربهم بحمده وشكره ( ويؤمنون به ) يقول : ويقرون بالله أنه لا إله لهم سواه ، ويشهدون بذلك ، لا يستكبرون عن عبادته ( ويستغفرون للذين آمنوا ) يقول : ويسألون ربهم أن يغفر للذين أقروا بمثل إقرارهم من توحيد الله - والبراءة من كل معبود سواه - ذنوبهم ، فيعفوها عنهم . [ ص: 355 ]
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( ويستغفرون للذين آمنوا ) لأهل لا اله إلا الله .
وقوله : ( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ) وفي هذا الكلام محذوف . وهو يقولون : ومعنى الكلام ويستغفرون للذين آمنوا يقولون : يا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما . ويعني بقوله : ( وسعت كل شيء رحمة وعلما ) : وسعت رحمتك وعلمك كل شيء من خلقك ، فعلمت كل شيء ، فلم يخف عليك شيء ، ورحمت خلقك ، ووسعتهم برحمتك .
وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب الرحمة والعلم ، فقال بعض نحويي البصرة : انتصاب ذلك كانتصاب : لك مثله عبدا ؛ لأنك قد جعلت وسعت كل شيء - وهو مفعول له ، والفاعل التاء ، وجاء بالرحمة والعلم - تفسيرا ، وقد شغلت عنهما الفعل كما شغلت المثل بالهاء ، فلذلك نصبته تشبيها بالمفعول بعد الفاعل . وقال غيره : هو من المنقول ، وهو مفسر ، وسعت رحمته وعلمه ، ووسع هو كل شيء رحمة ، كما تقول : طابت به نفسي ، طبت به نفسا . قال : أما لك مثله عبدا ، فإن المقادير لا تكون إلا معلومة مثل : عندي رطل زيتا ، والمثل غير معلوم ، ولكن لفظه لفظ المعرفة والعبد نكرة ، فلذلك نصب العبد ، وله أن يرفع ، واستشهد لقيله ذلك بقول الشاعر :
ما في معد والقبائل كلها قحطان مثلك واحد معدود
وقال : رد " الواحد " على " مثل " لأنه نكرة . قال : ولو قلت : ما مثلك رجل ، [ ص: 356 ] ومثلك رجل ، ومثلك رجلا جاز ؛ لأن مثل يكون نكرة ، وإن كان لفظها معرفة .
وقوله : ( فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك ) يقول : فاصفح عن جرم من تاب من الشرك بك من عبادك ، فرجع إلى توحيدك ، واتبع أمرك ونهيك .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فاغفر للذين تابوا ) من الشرك .
وقوله : ( واتبعوا سبيلك ) يقول : وسلكوا الطريق الذي أمرتهم أن يسلكوه ، ولزموا المنهاج الذي أمرتهم بلزومه ، وذلك الدخول في الإسلام .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( واتبعوا سبيلك ) : أي طاعتك . وقوله : ( وقهم عذاب الجحيم ) يقول : واصرف عن الذين تابوا من الشرك ، واتبعوا سبيلك عذاب النار يوم القيامة .