القول في تأويل قوله تعالى : ( إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه ( 26 ) ) [ ص: 374 ]
يقول - تعالى ذكره - : ( وقال فرعون ) لملئه : ( ذروني أقتل موسى وليدع ربه ) الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منا ( إني أخاف أن يبدل دينكم ) يقول : إني أخاف أن يغير دينكم الذي أنتم عليه بسحره .
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( أو أن يظهر في الأرض الفساد ) فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والشام والبصرة : " وأن يظهر في الأرض الفساد " بغير ألف ، وكذلك ذلك في مصاحف أهل المدينة ، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة : ( أو أن ) بالألف ، وكذلك ذلك في مصاحفهم " يظهر في الأرض " بفتح الياء ورفع الفساد .
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار متقاربتا المعنى ، وذلك أن الفساد إذا أظهره مظهر كان ظاهرا ، وإذا ظهر فبإظهار مظهره يظهر ، ففي القراءة بإحدى القراءتين فى ذلك دليل واضح على صحة معنى الأخرى . وأما القراءة في : ( أو أن يظهر ) بالألف وبحذفها ، فإنهما أيضا متقاربتا المعنى ، وذلك أن الشيء إذا بدل إلى خلافه فلا شك أن خلافه المبدل إليه الأول هو الظاهر دون المبدل ، فسواء عطف على خبره عن خوفه من موسى أن يبدل دينهم بالواو أو بأو ، لأن تبديل دينهم كان عنده ظهور الفساد ، وظهور الفساد كان عنده هو تبديل الدين .
فتأويل الكلام إن : إني أخاف من موسى أن يغير دينكم الذي أنتم عليه ، أو أن يظهر في أرضكم أرض مصر ، عبادة ربه الذي يدعوكم إلى عبادته ، وذلك كان عنده هو الفساد .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إني أخاف أن يبدل دينكم [ ص: 375 ] ) : أي أمركم الذي أنتم عليه ( أو أن يظهر في الأرض الفساد ) والفساد عنده أن يعمل بطاعة الله .