القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار ( 47 ) قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد ( 48 ) )
يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : ( وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ) ، ( وإذ يتحاجون في النار ) يقول : وإذ يتخاصمون في النار . وعنى بذلك : إذ يتخاصم الذين أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإنذارهم من مشركي قومه في النار ، فيقول الضعفاء منهم وهم المتبعون على الشرك بالله ( إنا كنا لكم تبعا ) تقول لرؤسائهم الذين اتبعوهم على الضلالة : إنا كنا لكم في الدنيا تبعا على الكفر بالله ( فهل أنتم مغنون ) اليوم ( عنا نصيبا من النار ) يعنون حظا فتخففوه عنا ، فقد كنا نسارع في محبتكم في الدنيا ، ومن قبلكم أتينا ، لو لا أنتم لكنا في الدنيا مؤمنين ، فلم يصبنا اليوم هذا البلاء؛ والتبع يكون واحدا وجماعة في قول بعض نحويي البصرة ، وفي قول بعض نحويي الكوفة جمع لا واحد له ، لأنه كالمصدر . قال : وإن شئت كان واحده " تابع " فيكون مثل خائل وخول ، وغائب وغيب . [ ص: 399 ]
والصواب من القول في ذلك عندي أنه جمع واحده تابع ، وقد يجوز أن يكون واحدا فيكون جمعه أتباع . فأجابهم المتبوعون بما أخبر الله عنهم؛ قال الذين استكبروا ، وهم الرؤساء المتبوعون على الضلالة في الدنيا : إنا أيها القوم وأنتم كلنا في هذه النار مخلدون ، لا خلاص لنا منها ( إن الله قد حكم بين العباد ) بفصل قضائه ، فأسكن أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، فلا نحن مما نحن فيه من البلاء خارجون ، ولا هم مما فيه من النعيم منتقلون ، ورفع قوله ( كل ) بقوله ( فيها ) ولم ينصب على النعت .
وقد اختلف في جواز النصب في ذلك في الكلام . وكان بعض نحويي البصرة يقول : إذا لم يضف " كل " لم يجز الاتباع . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : ذلك جائز في الحذف وغير الحذف ، لأن أسماءها إذا حذفت اكتفي بها منها . وقد بينا الصواب من القول في ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته .