القول في تأويل قوله تعالى : ( هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون    ( 68 ) ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون   ( 69 ) ) 
يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد   - صلى الله عليه وسلم - : قل لهم يا محمد   : ( هو الذي يحيي ويميت   ) يقول قل لهم : ومن صفته - جل ثناؤه - أنه هو الذي يحيي من يشاء بعد مماته ، ويميت من يشاء من الأحياء بعد حياته و ( إذا قضى أمرا   )  [ ص: 413 ] يقول : وإذا قضى كون أمر من الأمور التي يريد تكوينها ( فإنما يقول له كن   ) يعني للذي يريد تكوينه كن ، فيكون ما أراد تكوينه موجودا بغير معاناة ، ولا كلفة مؤنة . 
وقوله : ( ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون   ) يقول لنبيه محمد   - صلى الله عليه وسلم - ألم تر يا محمد  هؤلاء المشركين من قومك ، الذين يخاصمونك في حجج الله وآياته ( أنى يصرفون   ) يقول : أي وجه يصرفون عن الحق ، ويعدلون عن الرشد . 
كما حدثنا بشر  قال : ثنا يزيد  قال : ثنا سعيد  ، عن قتادة   ( أنى يصرفون   ) : أنى يكذبون ويعدلون . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  ، في قوله : ( أنى يصرفون   ) قال : يصرفون عن الحق . 
واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بهذه الآية ، فقال بعضهم : عنى بها أهل القدر . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا  محمد بن بشار   ومحمد بن المثنى  ، قالا ثنا مؤمل  قال : ثنا سفيان  ، عن  داود بن أبي هند   . عن  محمد بن سيرين  قال : إن لم تكن هذه الآية نزلت في القدرية  ، فإني لا أدري فيمن نزلت : ( ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون   ) إلى قوله : ( لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين   ) . 
حدثني علي بن سهل  قال : ثنا  زيد بن أبي الزرقاء  ، عن سفيان  ، عن  داود بن أبي هند  ، عن ابن سيرين  قال : إن لم يكن أهل القدر الذين يخوضون في آيات الله فلا علم لنا به  . 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : أخبرني مالك بن أبي الخير  [ ص: 414 ] الزيادي  ، عن  أبي قبيل  قال : أخبرني عقبة بن عامر الجهني  ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " سيهلك من أمتي أهل الكتاب ، وأهل اللين " فقال عقبة : يا رسول الله ، وما أهل الكتاب ؟ قال : " قوم يتعلمون كتاب الله يجادلون الذين آمنوا " فقال عقبة : يا رسول الله ، وما أهل اللين ؟ قال : " قوم يتبعون الشهوات ، ويضيعون الصلوات  " . قال أبو قبيل   : لا أحسب المكذبين بالقدر إلا الذين يجادلون الذين آمنوا ، وأما أهل اللين ، فلا أحسبهم إلا أهل العمود ليس عليهم إمام جماعة ، ولا يعرفون شهر رمضان . 
وقال آخرون : بل عنى به أهل الشرك . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  ، في قوله : ( ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون   ) قال : هؤلاء المشركون . 
والصواب من القول في ذلك ما قاله ابن زيد  ؛ وقد بين الله حقيقة ذلك بقوله : ( الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا   ) . 
				
						
						
