القول في تأويل قوله تعالى : ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون ( 17 ) ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون ( 18 ) )
يقول - تعالى ذكره - : فبينا لهم سبيل الحق وطريق الرشد .
كما حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( وأما ثمود فهديناهم ) : أي بينا لهم .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وأما ثمود فهديناهم ) بينا لهم سبيل الخير والشر .
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي وأما ثمود فهديناهم ) بينا لهم .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وأما ثمود فهديناهم ) قال : أعلمناهم الهدى والضلالة ، ونهيناهم أن يتبعوا الضلالة ، وأمرناهم أن يتبعوا الهدى . [ ص: 449 ]
وقد اختلفت القراء في قراءة قوله : ( ثمود ) فقرأته عامة القراء من الأمصار غير الأعمش وعبد الله بن أبي إسحاق برفع ثمود ، وترك إجرائها على أنها اسم للأمة التي تعرف بذلك . وأما الأعمش فإنه ذكر عنه أنه كان يجري ذلك في القرآن كله إلا في قوله : ( وآتينا ثمود الناقة مبصرة ) فإنه كان لا يجريه في هذا الموضع خاصة من أجل أنه في خط المصحف في هذا الموضع بغير ألف ، وكان يوجه ثمود إلى أنه اسم رجل بعينه معروف ، أو اسم جبل معروف . وأما ابن إسحاق فإنه كان يقرؤه نصبا . وأما ثمود بغير إجراء ، وذلك وإن كان له في العربية وجه معروف ، فإن أفصح منه وأصح في الإعراب عند أهل العربية الرفع لطلب أما الأسماء وأن الأفعال لا تليها ، وإنما تعمل العرب الأفعال التي بعد الأسماء فيها إذا حسن تقديمها قبلها والفعل في أما لا يحسن تقديمه قبل الاسم؛ ألا ترى أنه لا يقال : وأما هدينا فثمود ، كما يقال : ( وأما ثمود فهديناهم ) .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا الرفع وترك الإجراء؛ أما الرفع فلما وصفت ، وأما ترك الإجراء فلأنه اسم للأمة .
وقوله : ( فاستحبوا العمى على الهدى ) يقول : فاختاروا العمى على البيان الذي بينت لهم ، والهدى الذي عرفتهم ، بأخذهم طريق الضلال على الهدى ، يعني على البيان الذي بينه لهم ، من توحيد الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط . عن ( السدي فاستحبوا العمى على الهدى ) قال : اختاروا الضلالة والعمى على الهدى .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) قال : أرسل الله إليهم الرسل بالهدى فاستحبوا العمى على الهدى . [ ص: 450 ]
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فاستحبوا العمى ) يقول : بينا لهم ، فاستحبوا العمى على الهدى .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فاستحبوا العمى على الهدى ) قال : استحبوا الضلالة على الهدى ، وقرأ : و ( كذلك زينا لكل أمة عملهم ) . . . إلى آخر الآية ، قال : فزين لثمود عملها القبيح ، وقرأ : ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ) . . . إلى آخر الآية .
وقوله : ( فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون ) يقول : فأهلكتهم من العذاب المذل المهين لهم مهلكة أذلتهم وأخزتهم؛ والهون : هو الهوان .
كما حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( عذاب الهون ) قال : الهوان . السدي
وقوله : ( بما كانوا يكسبون ) من الآثام بكفرهم بالله قبل ذلك ، وخلافهم إياه ، وتكذيبهم رسله .
وقوله : ( ونجينا الذين آمنوا ) يقول : ونجينا الذين آمنوا من العذاب الذي أخذهم بكفرهم بالله ، الذين وحدوا الله ، وصدقوا رسله .
يقول : وكانوا يخافون الله أن يحل بهم من العقوبة على كفرهم لو كفروا ما حل بالذين هلكوا منهم ، فآمنوا اتقاء الله وخوف وعيده ، وصدقوا رسله ، وخلعوا الآلهة والأنداد .