يقول - تعالى ذكره - : وهذا الذي كان منكم في الدنيا من ظنكم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون من قبائح أعمالكم ومساويها ، هو ظنكم الذي ظننتم بربكم في الدنيا أرداكم ، يعني أهلككم . يقال منه : أردى فلانا كذا وكذا : إذا أهلكه ، وردي هو : إذا هلك ، فهو يردى ردى؛ ومنه قول الأعشى ؟
أفي الطوف خفت علي الردى وكم من ردى أهله لم يرم
يعني : وكم من هالك أهله لم يرم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن قوله : ( أرداكم ) قال : أهلككم . السدي
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر قال : تلا الحسن : ( وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم ) فقال : إنما عمل الناس [ ص: 457 ] على قدر ظنونهم بربهم؛ فأما المؤمن فأحسن بالله الظن ، فأحسن العمل؛ وأما الكافر والمنافق ، فأساءا الظن فأساءا العمل ، قال ربكم : ( وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ) . . . حتى بلغ : الخاسرين . قال معمر : وحدثني رجل : أنه يؤمر برجل إلى النار ، فيلتفت فيقول : يا رب ما كان هذا ظني بك ، قال : وما كان ظنك بي ؟ قال : كان ظني أن تغفر لي ولا تعذبني ، قال : فإني عند ظنك بي " .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قال : الظن ظنان ، فظن منج ، وظن مرد قال : ( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ) قال ( إني ظننت أني ملاق حسابيه ) ، وهذا الظن المنجي ظنا يقينا ، وقال ها هنا : ( وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم ) هذا ظن مرد .
وقوله : وقال الكافرون ( إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين ) وذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول ويروي ذلك عن ربه : " " . وموضع قوله : ( ذلكم ) رفع بقوله ظنكم . وإذا كان ذلك كذلك ، كان قوله : ( أرداكم ) في موضع نصب بمعنى : مرديا لكم . وقد يحتمل أن يكون في موضع رفع بالاستئناف ، بمعنى : مرد لكم ، كما قال : ( عبدي عند ظنه بي ، وأنا معه إذا دعاني تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة ) في قراءة من قرأه بالرفع . فمعنى الكلام : هذا الظن الذي ظننتم بربكم من أنه لا يعلم كثيرا مما تعملون هو الذي أهلككم ، لأنكم من أجل هذا الظن اجترأتم على محارم الله فقدمتم عليها ، وركبتم ما نهاكم الله عنه ، فأهلككم ذلك وأرداكم . يقول : فأصبحتم اليوم من الهالكين ، قد غبنتم ببيعكم منازلكم من الجنة بمنازل أهل الجنة من النار .