القول في تأويل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=29012_28847_20043_20036ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ( 33 )
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ( 34 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ومن أحسن أيها الناس قولا ممن قال ربنا الله ثم استقام على الإيمان به ، والانتهاء إلى أمره ونهيه ، ودعا عباد الله إلى ما قال وعمل به من ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر قال :
[ ص: 469 ] تلا
الحسن : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) قال : هذا حبيب الله ، هذا ولي الله ، هذا صفوة الله ، هذا خيرة الله ، هذا أحب الخلق إلى الله ، أجاب الله في دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته ، وعمل صالحا في إجابته ، وقال : إنني من المسلمين ، فهذا خليفة الله .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ) . . . الآية ، قال : هذا عبد صدق قوله عمله ، ومولجه مخرجه ، وسره علانيته ، وشاهده مغيبه ، وإن المنافق عبد خالف قوله عمله ، ومولجه مخرجه ، وسره علانيته ، وشاهده مغيبه .
واختلف أهل العلم في الذي أريد بهذه الصفة من الناس ، فقال بعضهم : عنى بها نبي الله - صلى الله عليه وسلم - .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
محمد بن الحسين قال : ثنا
أحمد قال : ثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ) قال :
محمد - صلى الله عليه وسلم - حين دعا إلى الإسلام .
حدثني
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال : قال
ابن زيد ، في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) قال : هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقال آخرون : عنى به المؤذن .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
داود بن سليمان بن يزيد المكتب البصري قال : ثنا
عمرو بن جرير البجلي ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16834قيس بن أبي حازم ، في قول الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ) قال : المؤذن (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33وعمل صالحا ) قال : الصلاة ما بين الأذان إلى الإقامة .
[ ص: 470 ]
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33وقال إنني من المسلمين ) يقول : وقال : إنني ممن خضع لله بالطاعة ، وذل له بالعبودة ، وخشع له بالإيمان بوحدانيته .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ) يقول - تعالى ذكره - : ولا تستوي حسنة الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ، فأحسنوا في قولهم ، وإجابتهم وبهم إلى ما دعاهم إليه من طاعته ، ودعوا عباد الله إلى مثل الذي أجابوا ربهم إليه ، وسيئة الذين قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) فكذلك لا تستوي عند الله أحوالهم ومنازلهم ، ولكنها تختلف كما وصف - جل ثناؤه - أنه خالف بينهما ، وقال - جل ثناؤه - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ) فكرر لا والمعنى : لا تستوي الحسنة ولا السيئة ، لأن كل ما كان غير مساو شيئا ، فالشيء الذي هو له غير مساو غير مساويه ، كما أن كل ما كان مساويا لشيء فالآخر الذي هو له مساو ، مساو له ، فيقال : فلان مساو فلانا ، وفلان له مساو ، فكذلك فلان ليس مساويا لفلان ، لا فلان مساويا له ، فلذلك كررت لا مع السيئة ، ولو لم تكن مكررة معها كان الكلام صحيحا . وقد كان بعض
نحويي البصرة يقول : يجوز أن يقال : الثانية زائدة؛ يريد : لا يستوي عبد الله وزيد ، فزيدت لا توكيدا ، كما قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون ) أي لأن يعلم ، وكما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة ) . وقد كان بعضهم ينكر قوله هذا في : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29لئلا يعلم أهل الكتاب ) ، وفي قوله : ( لا أقسم ) فيقول : لا الثانية في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29لئلا يعلم أهل الكتاب ) أن لا يقدرون ردت إلى موضعها ، لأن النفي إنما لحق يقدرون لا العلم ، كما يقال : لا أظن زيدا لا يقوم ، بمعنى : أظن زيدا لا يقوم؛ قال : وربما استوثقوا فجاءوا به أولا وآخرا ، وربما اكتفوا بالأول من الثاني .
وحكي سماعا من العرب : ما كأني أعرفها : أي كأني لا أعرفها . قال : وأما " لا " في قوله ( لا أقسم ) فإنما هو جواب ، والقسم بعدها مستأنف ، ولا يكون حرف الجحد مبتدأ صلة .
[ ص: 471 ]
وإنما عنى بقوله . (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ولا تستوي الحسنة ولا السيئة )
nindex.php?page=treesubj&link=30482ولا يستوي الإيمان بالله والعمل بطاعته والشرك به والعمل بمعصيته .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ادفع بالتي هي أحسن ) يقول - تعالى ذكره - لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - : ادفع يا
محمد بحلمك جهل من جهل عليك ، وبعفوك عمن أساء إليك إساءة المسيء ، وبصبرك عليهم مكروه ما تجد منهم ، ويلقاك من قبلهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في تأويله .
ذكر من قال ذلك .
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح قال ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ادفع بالتي هي أحسن ) قال : أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب ، والحلم والعفو عند الإساءة ، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان ، وخضع لهم عدوهم ، كأنه ولي حميم .
وقال آخرون : معنى ذلك : ادفع بالسلام على من أساء إليك إساءته .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : ثنا
أبو عامر قال : ثنا
سفيان ، عن
طلحة بن عمرو ، عن
عطاء (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ادفع بالتي هي أحسن ) قال : بالسلام .
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا
محمد بن ثور ، عن
معمر ، عن
عبد الكريم الجزري ، عن
مجاهد (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ادفع بالتي هي أحسن ) قال : السلام عليك إذا لقيته .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) يقول - تعالى ذكره - : افعل هذا الذي أمرتك به يا
محمد من دفع سيئة المسيء إليك بإحسانك الذي أمرتك به إليه ، فيصير المسيء إليك الذي بينك وبينه عداوة ، كأنه من ملاطفته إياك . وبره لك ، ولي لك من بني أعمامك ، قريب النسب بك ، والحميم : هو القريب .
[ ص: 472 ]
كما حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد . قال : ثنا
سعيد ، ، عن
قتادة (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34كأنه ولي حميم ) : أي كأنه ولي قريب .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=29012_28847_20043_20036وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ( 33 )
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ( 34 ) )
يَقُولُ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - : وَمَنْ أَحْسَنُ أَيُّهَا النَّاسُ قَوْلًا مِمَّنْ قَالَ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامَ عَلَى الْإِيمَانِ بِهِ ، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ، وَدَعَا عِبَادَ اللَّهِ إِلَى مَا قَالَ وَعَمِلَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ : ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ
مَعْمَرٍ قَالَ :
[ ص: 469 ] تَلَا
الْحَسَنُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) قَالَ : هَذَا حَبِيبُ اللَّهِ ، هَذَا وَلِيُّ اللَّهِ ، هَذَا صَفْوَةُ اللَّهِ ، هَذَا خِيرَةُ اللَّهِ ، هَذَا أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ ، أَجَابَ اللَّهَ فِي دَعْوَتِهِ ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى مَا أَجَابَ اللَّهَ فِيهِ مِنْ دَعْوَتِهِ ، وَعَمِلَ صَالِحًا فِي إِجَابَتِهِ ، وَقَالَ : إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَهَذَا خَلِيفَةُ اللَّهِ .
حَدَّثَنَا
بِشْرٌ قَالَ : ثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : ثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ) . . . الْآيَةَ ، قَالَ : هَذَا عَبْدٌ صَدَّقَ قَوْلَهُ عَمَلُهُ ، وَمَوْلَجَهُ مَخْرَجُهُ ، وَسِرَّهُ عَلَانِيَتُهُ ، وَشَاهِدَهُ مَغِيبُهُ ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ عَبَدٌ خَالَفَ قَوْلَهُ عَمَلُهُ ، وَمَوْلَجَهُ مَخْرَجُهُ ، وَسِرَّهُ عَلَانِيَتُهُ ، وَشَاهِدَهُ مَغِيبُهُ .
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الَّذِي أُرِيدَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنَ النَّاسِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : عَنَى بِهَا نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ : ثَنَا
أَحْمَدُ قَالَ : ثَنَا
أَسْبَاطٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ) قَالَ :
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ دَعَا إِلَى الْإِسْلَامِ .
حَدَّثَنِي
يُونُسُ قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ ، فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) قَالَ : هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِهِ الْمُؤَذِّنَ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنِي
دَاوُدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَزِيدَ الْمُكْتِبُ الْبَصْرِيُّ قَالَ : ثَنَا
عَمْرُو بْنُ جَرِيرٍ الْبَجَلِيُّ ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16834قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ ، فِي قَوْلِ اللَّهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ) قَالَ : الْمُؤَذِّنُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33وَعَمِلَ صَالِحًا ) قَالَ : الصَّلَاةُ مَا بَيْنَ الْأَذَانِ إِلَى الْإِقَامَةِ .
[ ص: 470 ]
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=33وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) يَقُولُ : وَقَالَ : إِنَّنِي مِمَّنْ خَضَعَ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ ، وَذَلَّ لَهُ بِالْعُبُودَةِ ، وَخَشَعَ لَهُ بِالْإِيمَانِ بِوَحْدَانِيَّتِهِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ) يَقُولُ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - : وَلَا تَسْتَوِي حَسَنَةُ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ، فَأَحْسَنُوا فِي قَوْلِهِمْ ، وَإِجَابَتِهِمْ وَبِهِمْ إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَتِهِ ، وَدَعَوْا عِبَادَ اللَّهِ إِلَى مِثْلِ الَّذِي أَجَابُوا رَبَّهُمْ إِلَيْهِ ، وَسَيِّئَةُ الَّذِينَ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) فَكَذَلِكَ لَا تَسْتَوِي عِنْدَ اللَّهِ أَحْوَالُهُمْ وَمَنَازِلُهُمْ ، وَلَكِنَّهَا تَخْتَلِفُ كَمَا وَصَفَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - أَنَّهُ خَالَفَ بَيْنَهُمَا ، وَقَالَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ) فَكَرَّرَ لَا وَالْمَعْنَى : لَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ، لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ غَيْرَ مُسَاوٍ شَيْئًا ، فَالشَّيْءُ الَّذِي هُوَ لَهُ غَيْرُ مُسَاوٍ غَيْرُ مُسَاوِيهِ ، كَمَا أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُسَاوِيًا لِشَيْءٍ فَالْآخَرُ الَّذِي هُوَ لَهُ مُسَاوٍ ، مُسَاوٍ لَهُ ، فَيُقَالُ : فُلَانٌ مُسَاوٍ فُلَانًا ، وَفُلَانٌ لَهُ مُسَاوٍ ، فَكَذَلِكَ فُلَانٌ لَيْسَ مُسَاوِيًا لِفُلَانٍ ، لَا فُلَانٌ مُسَاوِيًا لَهُ ، فَلِذَلِكَ كُرِّرَتْ لَا مَعَ السَّيِّئَةِ ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مُكَرَّرَةً مَعَهَا كَانَ الْكَلَامُ صَحِيحًا . وَقَدْ كَانَ بَعْضُ
نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ : يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : الثَّانِيَةُ زَائِدَةٌ؛ يُرِيدُ : لَا يَسْتَوِي عَبْدُ اللَّهِ وَزَيْدٌ ، فَزِيدَتْ لَا تَوْكِيدًا ، كَمَا قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَا يَقْدِرُونَ ) أَيْ لِأَنْ يَعْلَمَ ، وَكَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=1لَا أُقْسِمُ بِيَوْمُ الْقِيَامَةِ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) . وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُنْكِرُ قَوْلَهُ هَذَا فِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ ) ، وَفِي قَوْلِهِ : ( لَا أُقْسِمُ ) فَيَقُولُ : لَا الثَّانِيَةُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ ) أَنْ لَا يَقْدِرُونَ رُدَّتْ إِلَى مَوْضِعِهَا ، لِأَنَّ النَّفْيَ إِنَّمَا لَحِقَ يَقْدِرُونَ لَا الْعِلْمَ ، كَمَا يُقَالُ : لَا أَظُنُّ زَيْدًا لَا يَقُومُ ، بِمَعْنَى : أَظُنُّ زَيْدًا لَا يَقُومُ؛ قَالَ : وَرُبَّمَا اسْتَوْثَقُوا فَجَاءُوا بِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا ، وَرُبَّمَا اكْتَفَوْا بِالْأَوَّلِ مِنَ الثَّانِي .
وَحُكِيَ سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ : مَا كَأَنِّي أَعْرِفُهَا : أَيْ كَأَنِّي لَا أَعْرِفُهَا . قَالَ : وَأَمَّا " لَا " فِي قَوْلِهِ ( لَا أُقْسِمُ ) فَإِنَّمَا هُوَ جَوَابٌ ، وَالْقَسَمُ بَعْدَهَا مُسْتَأْنَفٌ ، وَلَا يَكُونُ حَرْفُ الْجَحْدِ مُبْتَدَأَ صِلَةٍ .
[ ص: 471 ]
وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ )
nindex.php?page=treesubj&link=30482وَلَا يَسْتَوِي الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ وَالشِّرْكِ بِهِ وَالْعَمَلِ بِمَعْصِيَتِهِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) يَقُولُ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - لِنَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ادْفَعْ يَا
مُحَمَّدُ بِحِلْمِكَ جَهْلَ مَنْ جَهِلَ عَلَيْكَ ، وَبِعَفْوِكَ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ إِسَاءَةَ الْمُسِيءِ ، وَبِصَبْرِكَ عَلَيْهِمْ مَكْرُوهَ مَا تَجِدُ مِنْهُمْ ، وَيَلْقَاكَ مِنْ قِبَلِهِمْ .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي تَأْوِيلِهِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ .
حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ قَالَ : ثَنَا
أَبُو صَالِحٍ قَالَ ثَنِي
مُعَاوِيَةُ ، عَنْ
عَلِيٍّ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) قَالَ : أَمْرُ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْغَضَبِ ، وَالْحِلْمِ وَالْعَفْوِ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ ، كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ .
وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : ادْفَعْ بِالسَّلَامِ عَلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ إِسَاءَتَهُ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15573مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : ثَنَا
أَبُو عَامِرٍ قَالَ : ثَنَا
سُفْيَانُ ، عَنْ
طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ
عَطَاءٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) قَالَ : بِالسَّلَامِ .
حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ : ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، عَنْ
عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) قَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ إِذَا لَقِيتَهُ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) يَقُولُ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - : افْعَلْ هَذَا الَّذِي أَمَرْتُكَ بِهِ يَا
مُحَمَّدُ مِنْ دَفْعِ سَيِّئَةِ الْمُسِيءِ إِلَيْكَ بِإِحْسَانِكَ الَّذِي أَمَرْتُكَ بِهِ إِلَيْهِ ، فَيَصِيرُ الْمُسِيءُ إِلَيْكَ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ ، كَأَنَّهُ مِنْ مُلَاطَفَتِهِ إِيَّاكَ . وَبِرِّهِ لَكَ ، وَلِيٌّ لَكَ مِنْ بَنِي أَعْمَامِكَ ، قَرِيبُ النَّسَبِ بِكَ ، وَالْحَمِيمُ : هُوَ الْقَرِيبُ .
[ ص: 472 ]
كَمَا حَدَّثَنَا
بِشْرٌ قَالَ : ثَنَا
يَزِيدُ . قَالَ : ثَنَا
سَعِيدٌ ، ، عَنْ
قَتَادَةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=34كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) : أَيْ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ قَرِيبٌ .