القول في إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير ( 40 ) ) تأويل قوله تعالى : (
يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( إن الذين يلحدون في آياتنا ) إن الذين يميلون عن الحق في حججنا وأدلتنا ، ويعدلون عنها تكذيبا بها وجحودا لها . [ ص: 477 ]
وقد بينت فيما مضى معنى اللحد بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع .
وسنذكر بعض اختلاف المختلفين في المراد به من معناه في هذا الموضع .
اختلف أهل التأويل في المراد به من معنى الإلحاد في هذا الموضع ، فقال بعضهم : أريد به معارضة المشركين القرآن باللغط والصفير استهزاء به .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى : وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( إن الذين يلحدون في آياتنا ) قال : المكاء وما ذكر معه .
وقال بعضهم : أريد به الخبر عن كذبهم في آيات الله .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إن الذين يلحدون في آياتنا ) قال : يكذبون في آياتنا .
وقال آخرون : أريد به يعاندون .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي إن الذين يلحدون في آياتنا ) قال : يشاقون : يعاندون .
وقال آخرون : أريد به الكفر والشرك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد ، في قوله : ( إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا ) قال : هؤلاء أهل الشرك وقال : الإلحاد : الكفر والشرك . [ ص: 478 ]
وقال آخرون : أريد به الخبر عن تبديلهم معاني كتاب الله .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا ) قال : هو أن يوضع الكلام على غير موضعه . وكل هذه الأقوال التي ذكرناها في تأويل ذلك في قريبات المعاني ، وذلك أن اللحد والإلحاد : هو الميل ، وقد يكون ميلا عن آيات الله ، وعدولا عنها بالتكذيب بها ، ويكون بالاستهزاء مكاء وتصدية ، ويكون مفارقة لها وعنادا ، ويكون تحريفا لها وتغييرا لمعانيها .
ولا قول أولى بالصحة في ذلك مما قلنا ، وأن يعم الخبر عنهم بأنهم ألحدوا في آيات الله ، كما عم ذلك ربنا تبارك وتعالى .
وقوله : ( لا يخفون علينا ) يقول - تعالى ذكره - : نحن بهم عالمون لا يخفون علينا ، ونحن لهم بالمرصاد إذا وردوا علينا ، وذلك تهديد من الله - جل ثناؤه - لهم بقوله : سيعلمون عند ورودهم علينا ماذا يلقون من أليم عذابنا . ثم أخبر - جل ثناؤه - عما هو فاعل بهم عند ورودهم عليه ، فقال : ( أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة ) . يقول - تعالى ذكره - لهؤلاء الذين يلحدون في آياتنا اليوم في الدنيا يوم القيامة عذاب النار ، ثم قال الله : أفهذا الذي يلقى في النار خير ، أم الذي يأتي يوم القيامة آمنا من عذاب الله لإيمانه بالله جل جلاله ؟ هذا الكافر ، إنه إن آمن بآيات الله ، واتبع أمر الله ونهيه ، أمنه يوم القيامة مما حذره منه من عقابه إن ورد عليه يومئذ به كافرا .
وقوله : ( اعملوا ما شئتم ) وهذا أيضا وعيد لهم من الله خرج مخرج الأمر ، وكذلك كان مجاهد يقول : حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ( اعملوا ما شئتم ) قال : هذا وعيد .
وقوله : ( إنه بما تعملون بصير ) يقول - جل ثناؤه - : إن الله أيها الناس بأعمالكم التي تعملونها ذو خبرة وعلم لا يخفى عليه منها ، ولا من غيرها شيء .