يقول - تعالى ذكره - : ( فاطر السماوات والأرض ) ، خالق السموات السبع والأرض . كما :
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن قوله : ( السدي فاطر السماوات والأرض ) قال : خالق .
وقوله : ( جعل لكم من أنفسكم أزواجا ) يقول - تعالى ذكره - : زوجكم ربكم من أنفسكم أزواجا . وإنما قال - جل ثناؤه - : ( من أنفسكم ) لأنه خلق حواء من ضلع آدم ، فهو من الرجال . ( ومن الأنعام أزواجا ) يقول - جل ثناؤه - : وجعل لكم من الأنعام أزواجا من الضأن اثنين ، ومن المعز اثنين ، ومن الإبل اثنين ، ومن البقر اثنين ، ذكورا وإناثا ، ومن كل جنس من ذلك . ( يذرؤكم فيه ) يقول : يخلقكم فيما جعل لكم من أزواجكم ، ويعيشكم فيما جعل لكم من الأنعام . وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( يذرؤكم فيه ) في هذا الموضع ، فقال بعضهم : معنى ذلك : يخلقكم فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيع ، عن مجاهد ، في قوله : ( يذرؤكم فيه ) قال : نسل بعد نسل من الناس والأنعام .
حدثنا قال : ثنا محمد بن المثنى أحمد قال : ثنا أسباط ، عن قوله : ( السدي يذرؤكم ) قال : يخلقكم .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد [ ص: 508 ] الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد ، في قوله : ( يذرؤكم فيه ) قال : نسلا بعد نسل من الناس والأنعام .
حدثنا قال : ثنا محمد بن المثنى محمد بن جعفر قال ثنا شعبة ، عن منصور ، أنه قال في هذه الآية : ( يذرؤكم فيه ) قال يخلقكم .
وقال آخرون : بل معناه : يعيشكم فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ) يقول : يجعل لكم فيه معيشة تعيشون بها .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( يذرؤكم فيه ) قال : يعيشكم فيه .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( يذرؤكم فيه ) قال : عيش من الله يعيشكم فيه . وهذان القولان وإن اختلفا في اللفظ من قائليهما فقد يحتمل توجيههما إلى معنى واحد ، وهو أن يكون القائل في معناه يعيشكم فيه ، أراد بقوله ذلك : يحييكم بعيشكم به كما يحيي من لم يخلق بتكوينه إياه ، ونفخه الروح فيه حتى يعيش حيا . وقد بينت معنى ذرء الله الخلق فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادته .
وقوله : ( ليس كمثله شيء ) فيه وجهان : أحدهما أن يكون معناه : ليس هو كشيء ، وأدخل المثل في الكلام توكيدا للكلام إذا اختلف اللفظ به وبالكاف ، وهما بمعنى واحد ، كما قيل :
ما إن نديت بشيء أنت تكرهه
[ ص: 509 ]فأدخل على " ما " وهي حرف جحد " إن " وهي أيضا حرف جحد ، لاختلاف اللفظ بهما ، وإن اتفق معناهما توكيدا للكلام ، وكما قال أوس بن حجر :
وقتلى كمثل جذوع النخيل تغشاهم مسبل منهمر
ومعنى ذلك : كجذوع النخيل ، وكما قال الآخر :
سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم ما إن كمثلهم في الناس من أحد
والآخر : أن يكون معناه : ليس مثل شيء ، وتكون الكاف هي المدخلة في الكلام ، كقول الراجز :
وصاليات ككما يؤثفين
[ ص: 510 ]فأدخل على الكاف كافا توكيدا للتشبيه ، وكما قال الآخر :
تنفي الغياديق على الطريق قلص عن كبيضة في نيق
فأدخل الكاف مع " عن " وقد بينا هذا في موضع غير هذا المكان بشرح هو أبلغ من هذا الشرح ، فلذلك تجوزنا في البيان عنه في هذا الموضع .
وقوله : ( وهو السميع البصير ) يقول - جل ثناؤه - واصفا نفسه بما هو به ، وهو يعني نفسه : السميع لما تنطق به خلقه من قول ، البصير لأعمالهم ، لا يخفى عليه من ذلك شيء ، ولا يعزب عنه علم شيء منه ، وهو محيط بجميعه ، محص صغيره وكبيره ( لتجزى كل نفس بما كسبت ) من خير أو شر .