يقول - تعالى ذكره - : أو يوبق هذه الجواري في البحر بما كسبت ركبانها من الذنوب ، واجترموا من الآثام ، وجزم يوبقهن ، عطفا على ( يسكن الريح ) ومعنى الكلام إن يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره ، ( أو يوبقهن ) ويعني بقوله : ( أو يوبقهن ) أو يهلكهن بالغرق .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح قال : ثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( أو يوبقهن ) يقول : يهلكهن .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( أو يوبقهن ) : أو يهلكهن .
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي أو يوبقهن ) قال : يغرقهن بما كسبوا . [ ص: 543 ]
وبنحو الذي قلنا في قوله : ( بما كسبوا ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( أو يوبقهن بما كسبوا ) : أي بذنوب أهلها .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( أو يوبقهن بما كسبوا ) قال : بذنوب أهلها .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( أو يوبقهن بما كسبوا ) قال : يوبقهن بما كسبت أصحابهن .
وقوله : ( ويعف عن كثير ) يقول : ويصفح - تعالى ذكره - عن كثير من ذنوبكم فلا يعاقب عليها .
وقوله : ( ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ) يقول - جل ثناؤه - : ويعلم الذين يخاصمون رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - من المشركين في آياته وعبره وأدلته على توحيده .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة " ويعلم الذين " رفعا على الاستئناف ، كما قال في سورة براءة : ( ويتوب الله على من يشاء ) وقرأته قراء الكوفة والبصرة ( ويعلم الذين ) نصبا كما قال في سورة آل عمران ( ويعلم الصابرين ) على الصرف؛ وكما قال النابغة :
فإن يهلك أبو قابوس يهلك ربيع الناس والشهر الحرام ونمسك بعده بذناب عيش
أجب الظهر له سنام
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان ولغتان معروفتان ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وقوله : ( ما لهم من محيص ) يقول - تعالى ذكره - : ما لهم من محيص من عقاب الله إذا عاقبهم على ذنوبهم ، وكفرهم به ، ولا لهم منه ملجأ .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط عن قوله : ( السدي ما لهم من محيص ) : ما لهم من ملجأ .
وقوله : ( فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا ) يقول - تعالى ذكره - : فما أعطيتم أيها الناس من شيء من رياش الدنيا من المال والبنين ، فمتاع الحياة الدنيا ، يقول - تعالى ذكره - : فهو متاع لكم تتمتعون به في الحياة الدنيا ، وليس من دار الآخرة ، ولا مما ينفعكم في معادكم . ( وما عند الله خير وأبقى ) يقول - تعالى ذكره - : والذي عند الله لأهل طاعته والإيمان به في الآخرة ، خير مما أوتيتموه في الدنيا من متاعها وأبقى ، لأن ما أوتيتم في الدنيا فإنه نافد ، وما عند الله من النعيم في جنانه لأهل طاعته باق غير نافذ .
( للذين آمنوا ) يقول : وما عند الله للذين آمنوا به ، وعليه يتوكلون في أمورهم ، وإليه يقومون في أسبابهم ، وبه يثقون ، خير وأبقى مما أوتيتموه من متاع الحياة الدنيا .