القول في ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ( 43 ) تأويل قوله تعالى : ( ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل ( 44 ) ) [ ص: 551 ]
يقول - تعالى ذكره - : ولمن صبر على إساءة إليه ، وغفر للمسيء إليه جرمه إليه ، فلم ينتصر منه ، وهو على الانتصار منه قادر ابتغاء وجه الله وجزيل ثوابه . ( إن ذلك لمن عزم الأمور ) يقول : إن صبره ذلك وغفرانه ذنب المسيء إليه ، لمن عزم الأمور التي ندب إليها عباده ، وعزم عليهم العمل به . ( ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده ) يقول : ومن خذله الله عن الرشاد ، فليس له من ولي يليه ، فيهديه لسبيل الصواب ، ويسدده من بعد إضلال الله إياه ( وترى الظالمين لما رأوا العذاب ) يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : وترى الكافرين بالله يا محمد يوم القيامة لما عاينوا عذاب الله يقولون لربهم : ( هل ) لنا يا رب ( إلى مرد من سبيل ) وذلك كقوله ( ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا ) . . . الآية ، استعتب المساكين في غير حين الاستعتاب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ، في قوله : ( السدي هل إلى مرد من سبيل ) يقول : إلى الدنيا .
واختلف أهل العربية في وجه دخول " إن " في قوله : ( إن ذلك لمن عزم الأمور ) مع دخول اللام في قوله : ( ولمن صبر وغفر ) فكان نحويو أهل البصرة يقول في ذلك : أما اللام التي في قوله : ( ولمن صبر وغفر ) فلام الابتداء ، وأما إن ذلك فمعناه والله أعلم : إن ذلك منه من عزم الأمور ، وقال : قد تقول : مررت بالدار الذراع بدرهم : أي الذراع منها بدرهم ، ومررت ببر قفيز بدرهم ، أي قفيز منه بدرهم . قال : وأما ابتداء " إن " في هذا الموضع ، فمثل [ ص: 552 ] ( قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ) يجوز ابتداء الكلام ، وهذا إذا طال الكلام في هذا الموضع .
وكان بعضهم يستخطئ هذا القول ويقول : إن العرب إذا أدخلت اللام في أوائل الجزاء أجابته بجوابات الأيمان بما ، ولا وإن واللام : قال : وهذا من ذاك ، كما قال : ( لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ) ( ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ) فجاء بلا وباللام جوابا للام الأولى . قال : ولو قال : لئن قمت إني لقائم لجاز ولا حاجة به إلى العائد ، لأن الجواب في اليمين قد يكون فيه العائد ، وقد لا يكون؛ ألا ترى أنك تقول : لئن قمت لأقومن ، ولا أقوم ، وإني لقائم فلا تأتي بعائد . قال : وأما قولهم : مررت بدار الذراع بدرهم وببر قفيز بدرهم ، فلا بد من أن يتصل بالأول بالعائد ، وإنما يحذف العائد فيه ، لأن الثاني تبعيض للأول مررت ببر بعضه بدرهم ، وبعضه بدرهم؛ فلما كان المعنى التبعيض حذف العائد . قال : وأما ابتداء " إن " فى كل موضع إذا طال الكلام ، فلا يجوز أن تبتدئ إلا بمعنى : قل إن الموت الذي تفرون منه ، فإنه جواب للجزاء ، كأنه قال : ما فررتم منه من الموت ، فهو ملاقيكم .
وهذا القول الثاني عندي أولى في ذلك بالصواب للعلل التي ذكرناها .