القول في واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ( 45 ) ) تأويل قوله تعالى : (
اختلف أهل التأويل في معنى قوله : ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ) ومن الذين أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمسألتهم ذلك ، فقال بعضهم الذين أمر بمسألتهم ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مؤمنو أهل الكتابين : التوراة ، والإنجيل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني عبد الأعلى بن واصل قال : ثنا ، عن يحيى بن آدم ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : في قراءة " واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا " . عبد الله بن مسعود
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ) إنها قراءة عبد الله : " سل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا " .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ) يقول : سل أهل التوراة والإنجيل : هل جاءتهم [ ص: 612 ] الرسل إلا بالتوحيد أن يوحدوا الله وحده ؟ قال : وفي بعض القراءة : " واسأل الذين أرسلنا إليهم رسلنا قبلك " . ( أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في بعض الحروف " واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك من رسلنا " سل أهل الكتاب : أما كانت الرسل تأتيهم بالتوحيد ؟ أما كانت تأتي بالإخلاص ؟ .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول : في قوله : ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ) في قراءة ابن مسعود " سل الذين يقرءون الكتاب من قبلك " يعني : مؤمني أهل الكتاب .
وقال آخرون : بل الذين أمر بمسألتهم ذلك الأنبياء الذين جمعوا له ليلة أسري به ببيت المقدس .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( واسأل من أرسلنا من قبلك ) . . . الآية ، قال : جمعوا له ليلة أسري به ببيت المقدس ، فأمهم ، وصلى بهم ، فقال الله له : سلهم ، قال : فكان أشد إيمانا ويقينا بالله وبما جاء من الله أن يسألهم ، وقرأ ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ) قال : فلم يكن فى شك ، ولم يسأل الأنبياء ، ولا الذين يقرءون الكتاب . قال : ونادى جبرائيل - صلى الله عليه وسلم - فقلت في نفسي : " الآن يؤمنا أبونا إبراهيم " ؛ قال : " فدفع جبرائيل في ظهري " قال : تقدم يا محمد فصل ، وقرأ ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام ) . . . حتى بلغ ( لنريه من آياتنا ) .
وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك ، قول من قال : عنى به : سل مؤمني أهل الكتابين .
فإن قال قائل : وكيف يجوز أن يقال : سل الرسل ، فيكون معناه : سل [ ص: 613 ] المؤمنين بهم وبكتابهم ؟ قيل : جاز ذلك من أجل أن المؤمنين بهم وبكتبهم أهل بلاغ عنهم ما أتوهم به عن ربهم ، فالخبر عنهم وعما جاءوا به من ربهم إذا صح بمعنى خبرهم ، والمسألة عما جاءوا به بمعنى مسألتهم إذا كان المسئول من أهل العلم بهم والصدق عليهم ، وذلك نظير أمر الله - جل ثناؤه - إيانا برد ما تنازعنا فيه إلى الله وإلى الرسول ، يقول : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) ومعلوم أن معنى ذلك : فردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله ، لأن الرد إلى ذلك رد إلى الله والرسول . وكذلك قوله : ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ) إنما معناه : فاسأل كتب الذين أرسلنا من قبلك من الرسل ، فإنك تعلم صحة ذلك من قبلنا ، فاستغنى بذكر الرسل من ذكر الكتب ، إذ كان معلوما ما معناه .
وقوله : ( أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) يقول : أمرناهم بعبادة الآلهة من دون الله فيما جاءوهم به ، أو أتوهم بالأمر بذلك من عندنا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) ؟ أتتهم الرسل يأمرونهم بعبادة الآلهة من دون الله ؟ وقيل : ( آلهة يعبدون ) ، فأخرج الخبر عن الآلهة مخرج الخبر عن ذكور بني آدم ، ولم يقل : تعبد ، ولا يعبدن ، فتؤنث وهي حجارة ، أو بعض الجماد كما يفعل في الخبر عن بعض الجماد . وإنما فعل ذلك كذلك ، إذ كانت تعبد وتعظم تعظيم الناس ملوكهم وسراتهم ، فأجري الخبر عنها مجرى الخبر عن الملوك والأشراف من بني آدم .