يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : واذكر يا محمد لقومك الرادين عليك ما جئتهم به من الحق هودا أخا عاد ، فإن الله بعثك إليهم كالذي بعثه إلى عاد ، فخوفهم أن يحل بهم من نقمة الله على كفرهم ما حل بهم إذ كذبوا رسولنا هودا إليهم ، إذ أنذر قومه عادا بالأحقاف . والأحقاف : جمع حقف وهو من الرمل ما استطال ، ولم يبلغ أن يكون جبلا وإياه عنى الأعشى :
فبات إلى أرطاة حقف تلفه خريق شمال يترك الوجه أقتما
واختلف أهل التأويل في الموضع الذي به هذه الأحقاف ، فقال بعضهم : هي جبل بالشام . [ ص: 123 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف ) قال : الأحقاف : جبل بالشام .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( إذ أنذر قومه بالأحقاف ) جبل يسمى الأحقاف .
وقال آخرون : بل هي واد بين عمان ومهرة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس ( واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف ) قال : فقال : الأحقاف الذي أنذر هود قومه واد بين عمان ومهرة .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : كانت منازل عاد وجماعتهم ، حيث بعث الله إليهم هودا الأحقاف : الرمل فيما بين عمان إلى حضرموت ، فاليمن كله ، وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض كلها ، قهروا أهلها بفضل قوتهم التي آتاهم الله .
وقال آخرون : هي أرض .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد قال : الأحقاف : الأرض .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( إذ أنذر قومه بالأحقاف ) قال : حشاف أو كلمة تشبهها ، قال أبو موسى : يقولون مستحشف . [ ص: 124 ]
حدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( إذ أنذر قومه بالأحقاف ) حشاف من حسمى .
وقال آخرون : هي رمال مشرفة على البحر بالشحر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف ) ذكر لنا أن عادا كانوا حيا باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشحر .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله ( واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف ) قال : بلغنا أنهم كانوا على أرض يقال لها الشحر ، مشرفين على البحر ، وكانوا أهل رمل .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرنا عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن عمرو بن عبد الله ، عن قتادة ، أنه قال : كان مساكن عاد بالشحر .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تبارك وتعالى أخبر أن عادا أنذرهم أخوهم هود بالأحقاف ، والأحقاف ما وصفت من الرمال المستطيلة المشرفة ، كما قال العجاج :
بات إلى أرطاة حقف أحقفا
[ ص: 125 ]وكما حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف ) قال : الأحقاف : الرمل الذي يكون كهيئة الجبل تدعوه العرب الحقف ، ولا يكون أحقافا إلا من الرمل ، قال : وأخو عاد هود . وجائز أن يكون ذلك جبلا بالشأم . وجائز أن يكون واديا بين عمان وحضرموت . وجائز أن يكون الشحر وليس في العلم به أداء فرض ، ولا في الجهل به تضييع واجب ، وأين كان فصفته ما وصفنا من أنهم كانوا قوما منازلهم الرمال المستعلية المستطيلة .
وقوله ( وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله ) يقول - تعالى ذكره - : وقد مضت الرسل بإنذار أممها ( من بين يديه ) يعني : من قبل هود ومن خلفه ، يعني : ومن بعد هود . وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله ( وقد خلت النذر من بين يديه ومن بعده ) ، ( ألا تعبدوا إلا الله ) يقول : لا تشركوا مع الله شيئا في عبادتكم إياه ، ولكن أخلصوا له العبادة ، وأفردوا له الألوهة ، إنه لا إله غيره ، وكانوا فيما ذكر أهل أوثان يعبدونها من دون الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله ) قال : لن يبعث الله رسولا إلا بأن يعبد الله .
وقوله ( إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) يقول - تعالى ذكره - مخبرا عن قيل هود لقومه : إني أخاف عليكم أيها القوم بعبادتكم غير الله عذاب الله في يوم عظيم وذلك يوم يعظم هوله ، وهو يوم القيامة .