القول في تأويل قوله تعالى : ( الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما إن ( 10 ) )
يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الذين يبايعونك ) بالحديبية من أصحابك على أن لا يفروا عند لقاء العدو ، ولا يولوهم الأدبار ( إنما يبايعون الله ) يقول : إنما يبايعون ببيعتهم إياك الله ؛ لأن الله ضمن لهم الجنة بوفائهم له بذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، [ ص: 210 ] عن مجاهد قوله ( إن الذين يبايعونك ) قال : يوم الحديبية .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) وهم الذين بايعوا يوم الحديبية .
وفي قوله ( يد الله فوق أيديهم ) وجهان من التأويل : أحدهما : يد الله فوق أيديهم عند البيعة ؛ لأنهم كانوا يبايعون الله ببيعتهم نبيه - صلى الله عليه وسلم - ; والآخر : قوة الله فوق قوتهم في نصرة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنهم إنما بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على نصرته على العدو .
وقوله ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) يقول - تعالى ذكره - : فمن نكث بيعته إياك يا محمد ، ونقضها فلم ينصرك على أعدائك ، وخالف ما وعد ربه ( فإنما ينكث على نفسه ) يقول : فإنما ينقض بيعته ؛ لأنه بفعله ذلك يخرج ممن وعده الله الجنة بوفائه بالبيعة ، فلم يضر بنكثه غير نفسه ، ولم ينكث إلا عليها ، فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن الله تبارك وتعالى ناصره على أعدائه ، نكث الناكث منهم ، أو وفى ببيعته .
وقوله ( ومن أوفى بما عاهد عليه الله ) . . . الآية ، يقول - تعالى ذكره - : ومن أوفى بما عاهد الله عليه من الصبر عند لقاء العدو في سبيل الله ونصرة نبيه - صلى الله عليه وسلم - على أعدائه ( فسيؤتيه أجرا عظيما ) يقول : فسيعطيه الله ثوابا عظيما ، وذلك أن يدخله الجنة جزاء له على وفائه بما عاهد عليه الله ، ووثق لرسوله على الصبر معه عند البأس بالمؤكدة من الأيمان .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فسيؤتيه أجرا عظيما ) وهي الجنة .