يقول - تعالى ذكره - لهؤلاء الأعراب المعتذرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند منصرفه من سفره إليهم بقولهم ( شغلتنا أموالنا وأهلونا ) ما تخلفتم خلاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين شخص عنكم ، وقعدتم عن صحبته من أجل شغلكم بأموالكم وأهليكم ، بل تخلفتم بعده في منازلكم ، ظنا منكم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من أصحابه سيهلكون ، فلا يرجعون إليكم أبدا باستئصال العدو إياهم وزين ذلك في قلوبكم ، وحسن الشيطان ذلك في قلوبكم ، وصححه عندكم حتى حسن عندكم التخلف عنه ، فقعدتم عن صحبته ( وظننتم ظن السوء ) يقول : وظننتم أن الله لن ينصر محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه المؤمنين على أعدائهم ، وأن العدو سيقهرونهم ويغلبونهم فيقتلونهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( سيقول لك المخلفون من الأعراب ) . . . إلى قوله ( وكنتم قوما بورا ) قال : ظنوا بنبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أنهم لن يرجعوا من وجههم ذلك ، وأنهم سيهلكون ، فذلك الذي خلفهم عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله ( وكنتم قوما بورا ) يقول : وكنتم قوما هلكى لا يصلحون لشيء من خير . وقيل : إن البور في لغة أذرعات : الفاسد; فأما عند العرب فإنه لا شيء . ومنه قول : فأصبح ما جمعوا بورا أي ذاهبا قد صار باطلا لا شيء منه; ومنه قول أبي الدرداء حسان بن ثابت :
لا ينفع الطول من نوك القلوب وقد يهدي الإله سبيل المعشر البور
[ ص: 214 ]وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( وكنتم قوما بورا ) قال : فاسدين . وحدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( وكنتم قوما بورا ) قال : البور الذي ليس فيه من الخير شيء .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( وكنتم قوما بورا ) قال : هالكين .