يقول - تعالى ذكره - : ونحن أقرب إلى الإنسان من وريد حلقه ، حين يتلقى الملكان ، وهما المتلقيان ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ) وقيل : عنى بالقعيد : الرصد .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( قعيد ) قال : رصد .
واختلف أهل العربية في وجه توحيد قعيد ، وقد ذكر من قبل متلقيان ، فقال بعض نحويي البصرة : قيل : ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ) ولم يقل : عن اليمين قعيد ، وعن الشمال قعيد ، أي أحدهما ، ثم استغنى ، كما قال : ( نخرجكم طفلا ) ثم استغنى بالواحد عن الجمع ، كما قال : ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ) . وقال بعض نحويي الكوفة ( قعيد ) يريد : قعودا عن اليمين وعن الشمال ، فجعل فعيل جمعا ، كما يجعل الرسول للقوم وللاثنين ، قال الله [ ص: 343 ] عز وجل : ( إنا رسول رب العالمين ) لموسى وأخيه ، وقال الشاعر :
ألكني إليها وخير الرسو ل أعلمهم بنواحي الخبر
فجعل الرسول للجمع ، فهذا وجه وإن شئت جعلت القعيد واحدا اكتفاء به من صاحبه ، كما قال الشاعر :نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
إني ضمنت لمن أتاني ما جنى وأبى فكان وكنت غير غدور
وقوله ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) يقول - تعالى ذكره - : ما يلفظ الإنسان من قول فيتكلم به ، إلا عندما يلفظ به من قول رقيب عتيد ، يعني حافظا يحفظه ، عتيد معد .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ) قال : عن اليمين الذي يكتب الحسنات ، وعن الشمال الذي يكتب السيئات .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي في قوله ( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ) قال : صاحب اليمين أمير أو أمين على صاحب الشمال ، فإذا عمل العبد سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : أمسك لعله يتوب .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام قال : ثنا عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد ( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ) قال ملك عن يمينه ، وآخر عن يساره ، فأما الذي عن يمينه فيكتب الخير ، وأما الذي عن شماله فيكتب الشر .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد قال : مع كل إنسان ملكان : ملك عن يمينه ، وملك عن يساره; قال : فأما الذي عن يمينه ، فيكتب الخير ، وأما الذي عن يساره فيكتب الشر .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ) . . . إلى ( عتيد ) قال : جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل ، وحافظين في النهار ، يحفظان عليه عمله ، ويكتبان أثره . [ ص: 345 ]
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ) ، حتى بلغ ( عتيد ) قال الحسن وقتادة ( ما يلفظ من قول ) أي ما يتكلم به من شيء إلا كتب عليه . وكان عكرمة يقول : إنما ذلك في الخير والشر يكتبان عليه .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : تلا الحسن ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ) قال : فقال : يا ابن آدم بسطت لك صحيفة ، ووكل بك ملكان كريمان ، أحدهما عن يمينك ، والآخر عن شمالك; فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ; وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك ، فاعمل بما شئت ، أقلل أو أكثر ، حتى إذا مت طويت صحيفتك ، فجعلت في عنقك معك في قبرك ، حتى تخرج يوم القيامة ، فعند ذلك يقول ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) . . . حتى بلغ ( حسيبا ) عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ) قال : كاتب الحسنات عن يمينه ، وكاتب السيئات عن شماله .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان قال : بلغني أن كاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات ، فإذا أذنب قال له : لا تعجل لعله يستغفر .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) قال : جعل معه من يكتب كل ما لفظ به ، وهو معه رقيب .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن هشام الحمصي ، أنه بلغه أن الرجل إذا عمل سيئة قال كاتب اليمين لصاحب الشمال : اكتب ، فيقول : لا بل أنت اكتب ، فيمتنعان ، فينادي مناد : يا صاحب الشمال اكتب ما ترك صاحب اليمين .