القول في ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ( 49 ) ) تأويل قوله تعالى : (
يقول - تعالى ذكره - : وخلقنا من كل شيء خلقنا زوجين ، وترك ( خلقنا ) الأولى استغناء بدلالة الكلام عليها .
واختلف في معنى ( خلقنا زوجين ) فقال بعضهم : عنى به : ومن كل شيء خلقنا نوعين مختلفين كالشقاء والسعادة والهدى والضلالة ، ونحو ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا قال : ثنا ابن علية قال : قال ابن جريج مجاهد في قوله ( ومن كل شيء خلقنا زوجين ) قال : الكفر والإيمان ، والشقاوة والسعادة ، والهدى والضلالة ، والليل والنهار ، والسماء والأرض ، والإنس والجن .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا إبراهيم بن أبي الوزير قال : ثنا قال : ثنا مروان بن معاوية الفزاري عوف ، عن الحسن في قوله ( ومن كل شيء خلقنا زوجين ) قال : الشمس والقمر .
وقال آخرون : عنى بالزوجين : الذكر والأنثى .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 440 ]
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( ومن كل شيء خلقنا زوجين ) قال : ذكرا وأنثى ، ذاك الزوجان ، وقرأ ( وأصلحنا له زوجه ) . قال : امرأته .
وأولى القولين في ذلك قول مجاهد ، وهو أن ، فكل واحد منهما زوج للآخر ، ولذلك قيل : خلقنا زوجين . وإنما نبه جل ثناؤه بذلك من قوله على قدرته على خلق ما يشاء خلقه من شيء ، وأنه ليس كالأشياء التي شأنها فعل نوع واحد دون خلافه ، إذ كل ما صفته فعل نوع واحد دون ما عداه كالنار التي شأنها التسخين ، ولا تصلح للتبريد ، وكالثلج الذي شأنه التبريد ، ولا يصلح للتسخين ، فلا يجوز أن يوصف بالكمال ، وإنما كمال المدح للقادر على فعل كل ما شاء فعله من الأشياء المختلفة والمتفقة . الله تبارك وتعالى ، خلق لكل ما خلق من خلقه ثانيا له مخالفا في معناه
وقوله ( لعلكم تذكرون ) يقول : لتذكروا وتعتبروا بذلك ، فتعلموا أيها المشركون بالله أن ربكم الذي يستوجب عليكم العبادة هو الذي يقدر على خلق الشيء وخلافه ، وابتداع زوجين من كل شيء لا ما لا يقدر على ذلك .