يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : فتول يا محمد عن هؤلاء المشركين بالله من قريش ، يقول : فأعرض عنهم حتى يأتيك فيهم أمر الله ، يقال : ولى فلان عن فلان : إذا أعرض عنه وتركه ، كما قال حصين بن ضمضم :
أما بنو عبس فإن هجينهم ولى فوارسه وأفلت أعورا
والأعور في هذا الوضع : الذي عور فلم تقض حاجته ، ولم يصب ما طلب .وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ( فتول عنهم ) قال : فأعرض عنهم .
وقوله ( فما أنت بملوم ) يقول جل ثناؤه : فما أنت يا محمد بملوم ، لا يلومك ربك على تفريط كان منك في الإنذار ، فقد أنذرت ، وبلغت ما أرسلت به . [ ص: 443 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( فتول عنهم فما أنت بملوم ) قال : محمد - صلى الله عليه وسلم - .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد . في قوله ( فتول عنهم فما أنت بملوم ) قال : قد بلغت ما أرسلناك به ، فلست بملوم ، قال : وكيف يلومه ، وقد أدى ما أمر به .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( فتول عنهم فما أنت بملوم ) ذكر لنا أنها لما نزلت هذه الآية ، اشتد على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ورأوا أن الوحي قد انقطع ، وأن العذاب قد حضر ، فأنزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك : ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) .
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : أخبرنا قال : أخبرنا ابن علية أيوب ، عن مجاهد قال : خرج علي معتجرا ببرد ، مشتملا بخميصة ، فقال لما نزلت ( فتول عنهم فما أنت بملوم ) أحزننا ذلك وقلنا : أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتولى عنا حتى نزل ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) .
وقوله ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) يقول : وعظ يا محمد من أرسلت إليه ، فإن العظة تنفع أهل الإيمان بالله .
كما حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) قال : وعظهم .