يقول - تعالى ذكره - : وما ينطق محمد بهذا القرآن عن هواه ( إن هو إلا وحي يوحى ) [ ص: 498 ] يقول : ما هذا القرآن إلا وحي من الله يوحيه إليه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( وما ينطق عن الهوى ) : أي ما ينطق عن هواه ( إن هو إلا وحي يوحى ) قال : يوحي الله تبارك وتعالى إلى جبرائيل ، ويوحي جبريل إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وقيل : عنى بقوله ( وما ينطق عن الهوى ) بالهوى .
وقوله ( علمه شديد القوى ) : يقول - تعالى ذكره - : علم محمدا - صلى الله عليه وسلم - هذا القرآن جبريل عليه السلام ، وعنى بقوله ( شديد القوى ) شديد الأسباب . والقوى : جمع قوة . كما الجثى : جمع جثوة ، والحبى : جمع حبوة . ومن العرب من يقول : القوى : بكسر القاف ، كما تجمع الرشوة رشا بكسر الراء ، والحبوة حبا . وقد ذكر عن العرب أنها تقول : رشوة بضم الراء ، ورشوة بكسرها ، فيجب أن يكون جمع من جمع ذلك رشا بكسر الراء على لغة من قال : واحدها رشوة ، وأن يكون جمع من جمع ذلك بضم الراء ، من لغة من ضم الراء في واحدها وإن جمع بالكسر من كان لغته من الضم في الواحدة ، أو بالضم من كان من لغته الكسر ; فإنما هو حمل إحدى اللغتين على الأخرى .
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : ( علمه شديد القوى ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( علمه شديد القوى ) يعني جبريل .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ( علمه شديد القوى ) قال : جبرائيل عليه السلام .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، مثله . [ ص: 499 ]
وقوله : ( ذو مرة فاستوى ) اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( ذو مرة ) فقال بعضهم : معناه : ذو خلق حسن .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس في قوله ( ذو مرة ) قال : ذو منظر حسن .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ذو مرة فاستوى ) : ذو خلق طويل حسن .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ذو قوة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث قال : ثني الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ذو مرة فاستوى ) قال : ذو قوة جبريل .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان ( ذو مرة ) قال : ذو قوة .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ذو مرة فاستوى ) قال : ذو قوة ، المرة : القوة .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام عن أبي جعفر عن الربيع ( ذو مرة فاستوى ) جبريل عليه السلام .
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بالمرة : صحة الجسم وسلامته من الآفات والعاهات . والجسم إذا كان كذلك من الإنسان ، كان قويا ، وإنما قلنا إن ذلك كذلك ، لأن المرة واحدة المرر ، وإنما أريد به : ذو مرة سوية . وإذا كانت المرة صحيحة ، كان الإنسان صحيحا . ومنه [ ص: 500 ] قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " " . لا تحل الصدقة لغني ، ولا لذي مرة سوي
وقوله ( فاستوى وهو بالأفق الأعلى ) يقول : فاستوى هذا الشديد القوي وصاحبكم محمد بالأفق الأعلى ، وذلك لما أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - استوى هو وجبريل عليهما السلام بمطلع الشمس الأعلى ، وهو الأفق الأعلى ، وعطف بقوله : " وهو " على ما في قوله : " فاستوى " من ذكر محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والأكثر من كلام العرب إذا أرادوا العطف في مثل هذا الموضع أن يظهروا كناية المعطوف عليه ، فيقولوا : استوى هو وفلان ، وقلما يقولون استوى وفلان ، وذكر الفراء عن بعض العرب أنه أنشده :
ألم تر أن النبع يصلب عوده ولا يستوي والخروع المتقصف
فرد الخروع على ما في يستوي من ذكر النبع ، ومنه قول الله ( أئذا كنا ترابا وآباؤنا ) فعطف بالآباء على المكنى في ( كنا ) من غير إظهار " نحن " ، فكذلك قوله ( فاستوى وهو ) ، وقد قيل : إن المستوي : هو جبريل ، فإن كان ذلك كذلك ، فلا مؤنة في ذلك ، لأن قوله ( وهو ) من ذكر اسم جبريل ، وكأن قائل ذلك وجه معنى قوله ( فاستوى ) : أي ارتفع واعتدل . [ ص: 501 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ( ذو مرة فاستوى ) جبريل عليه السلام وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وهو بالأفق الأعلى ) والأفق : الذي يأتي منه النهار .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن في قوله ( وهو بالأفق الأعلى ) قال : بأفق المشرق الأعلى بينهما .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ( وهو بالأفق الأعلى ) يعني جبريل .
قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ( وهو بالأفق الأعلى ) قال : السماء الأعلى ، يعني جبريل عليه السلام .