اختلف القراء في قراءة قوله : ( وحور عين ) فقرأته عامة قراء الكوفة وبعض المدنيين " وحور عين " بالخفض إتباعا لإعرابها إعراب ما قبلها من الفاكهة واللحم ، وإن كان ذلك مما لا يطاف به ، ولكن لما كان معروفا معناه المراد أتبع الآخر الأول في الإعراب ، كما قال بعض الشعراء .
إذا ما الغانيات برزن يوما وزججن الحواجب والعيونا
[ ص: 106 ]فالعيون تكحل ، ولا تزجج إلا الحواجب ، فردها في الإعراب على الحواجب ؛ لمعرفة السامع معنى ذلك وكما قال الآخر :
تسمع للأحشاء منه لغطا ولليدين جسأة وبددا
والجسأة : غلظ في اليد ، وهي لا تسمع .
وقرأ ذلك بعض قراء المدينة ومكة والكوفة وبعض أهل البصرة بالرفع ( وحور عين ) على الابتداء . وقالوا : الحور العين لا يطاف بهن ، فيجوز العطف بهن في الإعراب على إعراب فاكهة ولحم . ولكنه مرفوع بمعنى : وعندهم حور عين ، أو لهم حور عين .
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان [ ص: 107 ] قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القراء مع تقارب معنييهما ، فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب . والحور جماعة حوراء : وهي النقية بياض العين ، الشديدة سوادها . والعين : جمع عيناء ، وهي النجلاء العين في حسن .
وقوله : ( كأمثال اللؤلؤ المكنون ) يقول : هن في صفاء بياضهن وحسنهن ، كاللؤلؤ المكنون الذي قد صين في كن .
وقوله : ( جزاء بما كانوا يعملون ) يقول - تعالى ذكره - : ثوابا لهم من الله بأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا ، وعوضا من طاعتهم إياه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : ثنا ابن يمان ، عن ابن عيينة ، عن عمرو عن الحسن ( وحور عين ) قال : شديدة السواد : سواد العين ، شديدة البياض : بياض العين .
قال ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن رجل ، عن الضحاك ( وحور عين ) قال : بيض عين قال : عظام الأعين .
حدثنا ابن عباس الدوري قال : ثنا حجاج قال : قال ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ابن عباس قال : الحور : سود الحدق .
حدثنا الحسن بن عرفة قال : ثنا إبراهيم بن محمد الأسلمي ، عن عباد بن منصور الباجي أنه سمع يقول : الحور : صوالح نساء بني الحسن البصري آدم .
قال ثنا إبراهيم بن محمد ، عن ليث بن أبي سليم قال : بلغني أن الحور العين خلقن من الزعفران .
حدثنا الحسن بن يزيد الطحان قال : حدثتنا عائشة امرأة ليث ، عن ليث ، عن مجاهد قال : خلق الحور العين من الزعفران . [ ص: 108 ]
حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال : ثنا عمرو بن سعد قال : سمعت ليثا ، ثني عن مجاهد قال : الحور العين خلقن من الزعفران .
وقال آخرون : بل معنى قوله : ( حور ) أنهن يحار فيهن الطرف .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد ( وحور عين ) قال : يحار فيهن الطرف .
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : ( كأمثال اللؤلؤ ) قال أهل التأويل ، وجاء الأثر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن قال : ثنا أحمد بن الفرج الصدفي الدمياطي ، عن عمرو بن هاشم ، عن ابن أبي كريمة ، عن ، عن هشام بن حسان الحسن ، عن أمه ، أم سلمة قالت : قلت يا رسول الله أخبرني عن قول الله ( كأمثال اللؤلؤ المكنون ) قال : " صفاؤهن كصفاء الدر الذي في الأصداف الذي لا تمسه الأيدي " . عن
وقوله : ( لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما ) يقول : لا يسمعون فيها باطلا من القول ولا تأثيما ، يقول : ليس فيها ما يؤثمهم .
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول ( لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما ) والتأثيم لا يسمع ، وإنما يسمع اللغو . كما قيل : أكلت خبزا ولبنا ، واللبن لا يؤكل ، فجازت إذ كان معه شيء يؤكل .
وقوله : ( إلا قيلا سلاما سلاما ) يقول : لا يسمعون فيها من القول إلا قيلا سلاما : أي اسلم مما تكره .
وفي نصب قوله : ( سلاما سلاما ) وجهان : إن شئت جعلته تابعا للقيل ، ويكون السلام حينئذ هو القيل فكأنه قيل : لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا سلاما سلاما ، ولكنهم يسمعون سلاما سلاما . والثاني : أن يكون نصبه [ ص: 109 ] بوقوع القيل عليه ، فيكون معناه حينئذ : إلا قيل سلام فإن نون نصب قوله : ( سلاما سلاما ) بوقوع قيل عليه .