القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ( 7 ) )
يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : ألم تنظر يا محمد بعين قلبك فترى ( أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ) من شيء ، لا يخفى عليه صغير ذلك وكبيره يقول - جل ثناؤه - : فكيف يخفى - على من كانت هذه صفته - أعمال هؤلاء الكافرين وعصيانهم ربهم ، ثم وصف - جل ثناؤه - قربه من عباده وسماعه نجواهم ، وما يكتمونه الناس من أحاديثهم ، فيتحدثونه سرا بينهم ، فقال : ( ما يكون من نجوى ثلاثة ) من خلقه ، ( إلا هو رابعهم ) يسمع سرهم ونجواهم ، لا يخفى عليه شيء من أسرارهم ، ( ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى ) يقول : ولا يكون من نجوى خمسة إلا هو سادسهم كذلك ، ( ولا أدنى من ذلك ) يقول : ولا أقل من ثلاثة ( ولا أكثر ) من خمسة ، ( إلا هو معهم ) إذا تناجوا ، ( أين ما كانوا ) يقول : في أي موضع ومكان كانوا .
وعني بقوله : ( هو رابعهم ) بمعنى : أنه مشاهدهم بعلمه ، وهو على عرشه . كما حدثني عبد الله بن أبي زياد قال : ثني نصر بن ميمون المضروب قال : ثنا بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيان ، عن الضحاك في قوله : ( ما يكون من نجوى ثلاثة ) . . . إلى قوله : ( هو معهم ) قال : هو فوق العرش وعلمه معهم ( أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ) .
وقوله : ( ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ) يقول - تعالى ذكره - : ثم يخبر هؤلاء المتناجين وغيرهم بما عملوا من عمل ، مما يحبه ويسخطه يوم القيامة . ( إن الله بكل شيء عليم ) يقول : إن الله بنجواهم وأسرارهم - وسرائر أعمالهم ، وغير ذلك من أمورهم وأمور عباده - عليم .
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( ما يكون من نجوى ثلاثة ) فقرأت قراء الأمصار ذلك ( ما يكون من نجوى ) بالياء ، خلا أبي جعفر القارئ ، فإنه قرأه " ما تكون " بالتاء . والياء هي الصواب في ذلك ؛ لإجماع الحجة عليها ، ولصحتها في العربية .