القول في تأويل إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( 10 ) ) قوله تعالى : (
يقول - تعالى ذكره - : إنما المناجاة من الشيطان ، ثم اختلف أهل العلم في النجوى التي أخبر الله أنها من الشيطان - أي ذلك هو - فقال بعضهم : عني بذلك . مناجاة المنافقين بعضهم بعضا
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ) كان المنافقون يتناجون بينهم ، وكان ذلك يغيظ المؤمنين ، ويكبر عليهم ، فأنزل الله في ذلك القرآن : ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا ) . . . الآية . [ ص: 242 ]
وقال آخرون بما حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله - عز وجل - ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله ) قال : كان الرجل يأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأله الحاجة ، ليرى الناس أنه قد ناجى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يمنع ذلك من أحد . قال : والأرض يومئذ حرب على أهل هذا البلد ، وكان إبليس يأتي القوم فيقول لهم : إنما يتناجون في أمور قد حضرت ، وجموع قد جمعت لكم وأشياء ، فقال الله : ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ) . . . إلى آخر الآية .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر قال : كان المسلمون إذا رأوا المنافقين خلوا يتناجون ، يشق عليهم ، فنزلت : ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ) .
وقال آخرون : عني بذلك أحلام النوم التي يراها الإنسان في نومه فتحزنه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا يحيى بن داود البلخي قال : سئل عطية - وأنا أسمع - الرؤيا ؟ فقال : الرؤيا على ثلاث منازل ، فمنها وسوسة الشيطان ، فذلك قوله : ( إنما النجوى من الشيطان ) . ومنها ما يحدث نفسه بالنهار فيراه بالليل . ومنها كالأخذ باليد .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عني به مناجاة المنافقين بعضهم بعضا بالإثم والعدوان ، وذلك أن الله - جل ثناؤه - تقدم بالنهي عنها بقوله : ( إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ) ، ثم عما في ذلك من المكروه على أهل الإيمان ، وعن سبب نهيه إياهم عنه ، فقال : ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا . ) فبين بذلك - إذ كان النهي عن رؤية المرء في [ ص: 243 ] منامه كان كذلك ، وكان عقيب نهيه عن النجوى بصفة - أنه من صفة ما نهى عنه .
وقوله : ( وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله ) يقول - تعالى ذكره - : وليس التناجي بضار المؤمنين شيئا إلا بإذن الله ، يعني بقضاء الله وقدره .
وقوله : ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) يقول - تعالى ذكره - : وعلى الله فليتوكل في أمورهم أهل الإيمان به ، ولا يحزنوا من تناجي المنافقين ومن يكيدهم بذلك ، وأن تناجيهم غير ضارهم إذا حفظهم ربهم .