القول في تأويل ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار ) ( 3 ) ( قوله تعالى : ( ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب ( 4 ) )
يقول - تعالى ذكره - : ولولا أن الله قضى وكتب على هؤلاء اليهود من بني [ ص: 267 ] النضير في أم الكتاب الجلاء ، وهو الانتقال من موضع إلى موضع ، وبلدة إلى أخرى .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء ) : خروج الناس من البلد إلى البلد .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي ، قال ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء ) والجلاء : إخراجهم من أرضهم إلى أرض أخرى قال : ويقال : الجلاء : الفرار ، يقال منه : جلا القوم من منازلهم ، وأجليتهم أنا .
وقوله : ( لعذبهم في الدنيا ) يقول - تعالى ذكره - : ( ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء ) من أرضهم وديارهم ، لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي ، ولكنه رفع العذاب عنهم في الدنيا بالقتل ، وجعل عذابهم في الدنيا الجلاء ، ( ولهم في الآخرة عذاب النار ) مع ما حل بهم من خزي الدنيا بالجلاء عن أرضهم ودورهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الزهري قال : كان النضير من سبط لم يصبهم جلاء فيما مضى ، وكان الله قد كتب عليهم الجلاء ، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة قال : ثني محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رومان ( ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء ) ، وكان لهم من الله نقمة ، ( لعذبهم في الدنيا ) : أي بالسيف ( ولهم في الآخرة عذاب النار ) مع ذلك . [ ص: 268 ]
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار ) قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ ، فأعطوه ما أراد منهم ، فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم ، وأن يخرجهم من أرضهم وأوطانهم ، ويسيرهم إلى أذرعات الشام ، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرا وسقاء .
حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء ) : أهل النضير . حاصرهم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ منهم كل مبلغ ، فأعطوا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ما أراد ، ثم ذكر نحوه وزاد فيه : فهذا الجلاء .
وقوله : ( ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ) يقول - تعالى ذكره - : هذا الذي فعل الله بهؤلاء اليهود ما فعل بهم من إخراجهم من ديارهم ، وقذف الرعب في قلوبهم من المؤمنين ، وجعل لهم في الآخرة عذاب النار بما فعلوا هم في الدنيا من مخالفتهم الله ورسوله في أمره ونهيه ، وعصيانهم ربهم فيما أمرهم به من اتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - . ( ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب ) يقول - تعالى ذكره - : ومن يخالف الله في أمره ونهيه ، فإن الله شديد العقاب .