القول في تأويل قوله تعالى : ( قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ( 11 ) )
يقول تعالى ذكره : وإذا رأى المؤمنون عير تجارة أو لهوا ( انفضوا إليها ) يعني أسرعوا إلى التجارة ( وتركوك قائما ) يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : وتركوك يا محمد قائما على المنبر; وذلك أن التجارة التي رأوها فانفض القوم إليها ، وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم قائما كانت زيتا قدم به من دحية بن خليفة الشام .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل السدي ، عن أبي مالك ، قال : قدم بتجارة زيت من دحية بن خليفة الشام ، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ، فلما رأوه قاموا إليه بالبقيع خشوا أن يسبقوا إليه ، قال : فنزلت ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، قال : ثنا سفيان ، عن ، عن السدي قرة ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) قال : بتجارة والنبي صلى الله عليه وسلم قائم في الصلاة يوم الجمعة ، فتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وخرجوا إليه ، فنزلت ( دحية الكلبي وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) حتى ختم السورة . جاء
حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس ، قال : ثنا عبثر ، قال : ثنا حصين ، عن سالم بن أبي الجعد ، قال : "كنا مع [ ص: 387 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجمعة ، فمرت عير تحمل الطعام ، قال : فخرج الناس إلا اثني عشر رجلا فنزلت آية الجمعة جابر بن عبد الله ، " . عن
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال الحسن : إن أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء سعر ، فقدمت عير والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة ، فسمعوا بها ، فخرجوا والنبي صلى الله عليه وسلم قائم ، كما قال الله عز وجل .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) قال : جاءت تجارة فانصرفوا إليها ، وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم قائما وإذا رأوا لهوا ولعبا ( قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين ) .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ) قال : رجال كانوا يقومون إلى نواضحهم وإلى السفر يبتغون التجارة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، قتادة : "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة ، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة ، فقال : كم أنتم؟ فعدوا أنفسهم فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة; ثم قام في الجمعة الثانية فجعل يخطبهم; قال سفيان : ولا أعلم إلا أن في حديثه ويعظهم ويذكرهم ، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة ، فقال : كم أنتم ، فعدوا أنفسهم ، فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة; ثم قام في الجمعة الثالثة فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة ، فقال كم أنتم؟ فعدوا أنفسهم ، فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة ، فقال : "والذي نفسي بيده لو اتبع آخركم أولكم لالتهب عليكم الوادي نارا" ، وأنزل الله عز وجل : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) . [ ص: 388 ] عن
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( انفضوا إليها وتركوك قائما ) قال : لو اتبع آخرهم أولهم لالتهب عليهم الوادي نارا .
قال : ثنا ابن ثور ، قال معمر ، قال قتادة : لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ إلا اثنا عشر رجلا وامرأة معهم .
حدثنا محمد بن عمارة الرازي ، قال : ثنا محمد بن الصباح ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن سالم وأبي سفيان ، جابر ، في قوله : ( وتركوك قائما ) قال : قدمت عير فانفضوا إليها ، ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا . عن
حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي ، قال : ثنا جرير ، عن حصين ، عن سالم ، جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما يوم الجمعة ، فجاءت عير من الشام ، فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا قال : فنزلت هذه الآية في الجمعة ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) وأما اللهو ، فإنه اختلف من أي أجناس اللهو كان ، فقال بعضهم : كان كبرا ومزامير . عن
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن سهل بن عسكر ، قال : ثنا يحيى بن صالح ، قال : ثنا عن سليمان بن بلال ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، قال كان الجواري إذا نكحوا كانوا يمرون بالكبر والمزامير ويتركون النبي صلى الله عليه وسلم قائما على المنبر ، وينفضون إليها ، فأنزل الله ( جابر بن عبد الله ، لعلكم تفلحون وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها )
وقال آخرون : كان طبلا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : اللهو : الطبل .
حدثني الحارث ، قال : ثنا الأشيب ، قال : ثنا ورقاء ، قال : ذكر عبد الله بن أبي نجيح ، عن إبراهيم بن أبي بكر ، عن مجاهد أن اللهو هو الطبل .
والذي هو أولى بالصواب في ذلك : الخبر الذي رويناه عن جابر ، لأنه قد أدرك أمر القوم ومشاهدهم .
وقول : ( قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة ) يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهم يا محمد الذي عند الله من الثواب ، لمن جلس مستمعا خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وموعظته يوم الجمعة إلى أن يفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، خير له من اللهو ومن التجارة التي ينفضون إليها ( والله خير الرازقين ) يقول : والله خير رازق ، فإليه فارغبوا في طلب أرزاقكم ، وإياه فاسألوا أن يوسع عليكم من فضله دون غيره .
آخر تفسير سورة الجمعة