يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الذي أوتي كتابه بشماله : ( ما أغنى عني ماليه ) يعني أنه لم يدفع عنه ماله الذي كان يملكه في الدنيا من عذاب الله شيئا ، ( هلك عني سلطانيه ) يقول : ذهبت عني حججي ، وضلت ، فلا حجة لي أحتج بها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( هلك عني سلطانيه ) يقول : ضلت عني كل بينة فلم تغن عني شيئا .
حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطفاوي ، قال : ثنا محمد بن ربيعة ، عن النضر بن عربي ، قال : سمعت عكرمة يقول : ( هلك عني سلطانيه ) قال : حجتي .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( هلك عني سلطانيه ) قال : حجتي .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( هلك عني سلطانيه ) : أما والله ما كل من دخل النار كان أمير قرية يجبيها ، ولكن الله خلقهم ، وسلطهم على أقرانهم ، وأمرهم بطاعة الله ، ونهاهم عن معصية الله .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( هلك عني سلطانيه ) يقول : بينتي ضلت عني .
وقال آخرون : عني بالسلطان في هذا الموضع : الملك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( هلك عني سلطانيه ) قال : سلطان الدنيا .
وقوله : ( خذوه فغلوه ) يقول تعالى ذكره لملائكته من خزان جهنم : ( خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ) يقول : ثم في نار جهنم أوردوه ليصلى فيها ، [ ص: 589 ] ( في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ) يقول : ثم اسلكوه في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ، بذراع ، الله أعلم بقدر طولها ، وقيل : إنها تدخل في دبره ، ثم تخرج من منخريه .
وقال بعضهم : تدخل في فيه ، وتخرج من دبره .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار ، عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن نسير بن ذعلوق ، قال : سمعت نوفا يقول : ( في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ) قال : كل ذراع سبعون باعا ، الباع : أبعد ما بينك وبين مكة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثني نسير ، قال : سمعت نوفا يقول في رحبة الكوفة ، في إمارة مصعب بن الزبير ، في قوله : ( في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ) قال : الذراع : سبعون باعا ، الباع : أبعد ما بينك وبين مكة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن نسير بن ذعلوق أبي طعمة ، عن نوف البكالي ( في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ) قال : كل ذراع سبعون باعا ، كل باع أبعد مما بينك وبين مكة ، وهو يومئذ في مسجد الكوفة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ) قال : بذراع الملك ، فاسلكوه : قال : تسلك في دبره حتى تخرج من منخريه ، حتى لا يقوم على رجليه .
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى ، يعمر بن بشير المنقري ، قال : ثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا سعيد بن يزيد ، عن أبي السمح ، عن عيسى بن هلال الصدفي ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عبد الله بن عمرو بن العاص ، " . لو أن رصاصة مثل هذه ، وأشار إلى جمجمة ، أرسلت من السماء إلى الأرض ، وهي مسيرة خمس مائة سنة ، لبلغت الأرض قبل الليل ، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفا - الليل والنهار - قبل أن تبلغ قعرها أو أصلها
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن ابن المبارك ، عن مجاهد ، عن جويبر ، عن الضحاك ، ( فاسلكوه ) قال : السلك : أن تدخل السلسلة في فيه ، وتخرج من دبره . وقيل : ( ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ) وإنما تسلك السلسلة في فيه ، كما قالت العرب : أدخلت رأسي في القلنسوة ، وإنما تدخل القلنسوة في الرأس ، [ ص: 590 ] وكما قال الأعشى :
إذا ما السراب ارتدى بالأكم
وإنما يرتدي الأكم بالسراب ، وما أشبه ذلك ، وإنما قيل ذلك كذلك لمعرفة السامعين معناه ، وأنه لا يشكل على سامعه ما أراد قائله .
وقوله : ( إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ) يقول : افعلوا ذلك به جزاء له على كفره بالله في الدنيا ، إنه كان لا يصدق بوحدانية الله العظيم .