يقول عز وجل مخبرا عن قيل النفر من الجن الذين استمعوا القرآن ( وأنه كان يقول سفيهنا ) وهو إبليس .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( أنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ) وهو إبليس .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن رجل من المكيين ، عن مجاهد ( سفيهنا على الله شططا ) قال : إبليس . ثم قال سفيان : سمعت أن الرجل إذا سجد جلس إبليس يبكي يقول : يا ويله ، أمر بالسجود فعصى ، فله النار ، وأمر ابن آدم بالسجود فسجد ، فله الجنة .
حدثني ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : تلا قتادة : ( وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ) فقال : عصاه والله سفيه الجن ، كما عصاه سفيه الإنس .
وأما الشطط من القول ، فإنه ما كان تعديا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 654 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ) قال : ظلما .
وقوله : ( وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ) يقول : قالوا : وأنا حسبنا أن لن تقول بنو آدم والجن على الله كذبا من القول ، والظن هاهنا بمعنى الشك ، وإنما أنكر هؤلاء النفر من الجن أن تكون علمت أن أحدا يجترئ على الكذب على الله لما سمعت القرآن ، لأنهم قبل أن يسمعوه وقبل أن يعلموا تكذيب الله الزاعمين أن لله صاحبة وولدا ، وغير ذلك من معاني الكفر كانوا يحسبون أن إبليس صادق فيما يدعو بني آدم إليه من صنوف الكفر; فلما سمعوا القرآن أيقنوا أنه كان كاذبا في كل ذلك ، فلذلك قالوا : ( وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا ) فسموه سفيها .
وقوله : ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر : وأنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجن في أسفارهم إذا نزلوا منازلهم .
وكان ذلك من فعلهم فيما ذكر لنا ، كالذي حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ) قال : كان رجال من الإنس يبيت أحدهم بالوادي في الجاهلية فيقول : أعوذ بعزيز هذا الوادي ، فزادهم ذلك إثما .
حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : ثنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن ، في قوله : ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ) قال : كان الرجل منهم إذا نزل الوادي فبات به ، قال : أعوذ بعزيز هذا الوادي من شر سفهاء قومه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم في قوله : ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ) كانوا إذا نزلوا الوادي قالوا : نعوذ بسيد هذا الوادي من شر ما فيه ، فتقول الجن : ما نملك لكم ولا لأنفسنا ضرا ولا نفعا .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، في قوله : ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ) قال : كانوا في الجاهلية إذا نزلوا بالوادي قالوا : نعوذ [ ص: 655 ] بسيد هذا الوادي ، فيقول الجنيون : تتعوذون بنا ولا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا !
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( يعوذون برجال من الجن ) قال : كانوا يقولون إذا هبطوا واديا : نعوذ بعظماء هذا الوادي .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ) ذكر لنا أن هذا الحي من العرب كانوا إذا نزلوا بواد قالوا : نعوذ بأعز أهل هذا المكان; قال الله : ( فزادوهم رهقا ) : أي إثما ، وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة . [ ص: 656 ]
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( يعوذون برجال من الجن ) كانوا في الجاهلية إذا نزلوا منزلا يقولون : نعوذ بأعز أهل هذا المكان .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ) قال : كانوا يقولون : فلان من الجن رب هذا الوادي ، فكان أحدهم إذا دخل الوادي يعوذ برب الوادي من دون الله ، قال : فيزيده بذلك رهقا ، وهو الفرق .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) قال كان الرجل في الجاهلية إذا نزل بواد قبل الإسلام قال : إني أعوذ بكبير هذا الوادي ، فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم .
وقوله : ( فزادوهم رهقا ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : فزاد الإنس بالجن باستعاذتهم بعزيزهم ، جراءة عليهم ، وازدادوا بذلك إثما .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( فزادوهم رهقا ) فزادهم ذلك إثما .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قال : قال الله : ( فزادوهم رهقا ) : أي إثما ، وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فزادوهم رهقا ) يقول : خطيئة .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ( فزادوهم رهقا ) قال : فيزدادون عليهم جراءة .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ( فزادوهم رهقا ) قال : ازدادوا عليهم جراءة .
وقال آخرون : بل عني بذلك أن الكفار زادوا بذلك طغيانا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( فزادوهم رهقا ) قال : زاد الكفار طغيانا .
وقال آخرون : بل عني بذلك : فزادوهم فرقا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ( فزادوهم رهقا ) قال : فيزيدهم ذلك رهقا ، وهو الفرق .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فزادوهم رهقا ) قال : زادهم الجن خوفا .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : فزاد الإنس الجن بفعلهم ذلك إثما ، وذلك زادوهم به استحلالا لمحارم الله . والرهق في كلام العرب : الإثم وغشيان المحارم; ومنه قول الأعشى :
لا شيء ينفعني من دون رؤيتها هل يشتفي وامق ما لم يصب رهقا
[ ص: 657 ]يقول : ما لم يغش محرما .